الرئيسية / عام / مقاومة إسرائيلية في “أكتوبر الأسود”!

مقاومة إسرائيلية في “أكتوبر الأسود”!

بقلم: لطفي النعمان- النهار العربي
الشرق اليوم– بعدما انقضت الذكرى الخمسون ليوم الصدمة 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973، أفاق قادة إسرائيل على صدمة أخرى يوم 7 تشرين الأول 2023.. حين غمرهم طوفان الأقصى “الحدث الأقسى من الهولوكوست” وفق الاستغاثة الهاتفية لرئيس حكومة الكيان بيبي نتنياهو بالرئيس الأميركي جو بايدن.. يا لسواد أكتوبر!

طوفان التضامن السياسي الدولي مع إسرائيل.. وفي مقدمته جو بايدن الذي وصل إلى تل أبيب من بعد وصول حاملة الطائرات، ولعله يمهد لحشد داعمي انتخابات الرئاسة المقبلة:

“إلى أيْنَ، يا سيّد البيض، تأخُذُ شعْبي.. وشعْبَكْ
إلى أيّ هاويةٍ يأخذُ الأرضَ هذا الرّوبوتُ المدجّج بالطّائِرَات
وحَامِلةِ الطّائرات، إلى أيّ هاويةٍ رحبةٍ تَصعَدُون؟”

غمر المواتسات ووسائل التواصل الاجتماعي طوفان الفيديوات والمنشورات عن تداعيات “أكتوبر الأسود”.

هذا الفيضان السياسي والإعلامي المتضامن مع حكومة الكيان، يوجب على بيبي نتنياهو أن يوجه الشكر لمن فجروا الموقف من غزة لأنهم في “أكتوبر الأسود” وفروا له تعاطفًا دوليًا جديدًا قبل أن تنطوي صفحة السيد نتنياهو السياسية؛ كغولدا مائير.. ربما.

جديرٌ به أن ينظر إلى الشق الإيجابي من المسألة.. ويستثمر وجود أعدائه لا إفنائهم.. ليظهر حالة “المقاومة الإسرائيلية” العجيبة لواقع الحال وحقيقة الوضع على “أرض فلسطين”.

في تل أبيب تبرز “مقاومة استثنائية” ليست للعنف الذي به يؤمنون، إنها مقاومة للاعتراف بجذر المشكلة. بإبراز مستجداتها فقط.

تبعًا لهذا تجدهم يقاومون أصدقاء لم يتغافلوا أبدًا عن أصل القضية ومعاناة أشقائهم. كما يقاومون تلقائيًا كل من يشير صراحةً إلى “الاحتلال” و”الاستهداف الدامي”. لذا تقاوم إسرائيل دومًا تصنيف وتسمية “جيش الاحتلال” بتعبير “جيش الدفاع”.

وحتى “حل الدولتين” الذي يقره الجميع يشهد على ما يبدو “مقاومة إسرائيلية”.

هذه الدولة الديموقراطية تقاوم وترفض نتائج العملية الديموقراطية لبعض جيرانها العرب وسط محيطها الأقرب. وتسخر منهم وتُسخّر كل طاقتها لتمنع تمتع غيرها بالديموقراطية لتكون هي المتفردة بها، وها هي تنفرد بالمقاومة!

نعم.. إنها تقاوم الابتزاز من غير الإسرائيليين.. “الدول الكبرى تخضع للابتزاز” هكذا ختمت غولدا مائير مذكراتها. ويتضح أن خلفاء غولدا نجحوا في ذلك.. أسطع الآيات المستوى السياسي للتضامن الدولي ممن يعيشون عقدة الذنب التاريخي تجاه أتباع الديانة اليهودية المؤثرين بقوة في مجالات المصالح الحيوية المشتركة كما يتردد. وتجدهم يكيلون بمكيالين، أحدهما صهيوني والثاني إسرائيلي.. ومن ثم يشتركون جميعًا ضد ضحية أخرى. ويا للعجب ثمة من يرجو منهم عدلًا:
وكيف نرجو انتصافًا في محاكمةٍ * وقد تمالأ فيها الخصمُ والحكمُ

هل تعرفون ماذا يقاوم قادة إسرائيل أيضًا.. إنهم يقاومون انتهاج غيرهم المسلك نفسه الذي بدأ به تأسيس دولتهم وإثبات وجودهم. فما حللوه لأنفسهم حرموه على غيرهم. وابتكروا القصف ضد العنف. وكلاهما مرفوض.

وكذا يقاومون أي نسخة أخرى من الحقيقة، لا يقبلون سوى نسختهم الإسرائيلية. أي “الإسرائيليات” سياسةً وروايةً واحتكارًا لأساليب التضليل والكذب؛ وليس يؤلمهم غير كذب الآخرين.. الآخرين فقط!

معظم المجتمعات تحمل ذرةً من عنصرية ودرجات عنصريتها تتفاوت نتيجة مقاومتها داخليًا، لكن عنصرية إسرائيل مختلفة تمامًا وتتميز عن بقية العنصريات بأنهم لا يقاومونها داخليًا. كما تتفوق في “عدم مقاومة” التزييف بل واحتراف اجتزاء الحقائق والتصريحات وتغذية الكراهية المتبادلة.. ثم يتساءلون: “لماذا يكرهوننا”؟!

ولَكَم ضللوا أنفسهم بأن نسبوا إلى بعض الزعماء مقولة “سنلقي بإسرائيل في البحر”، واتضح عدم صحة ادعائهم. وشاهد الحال أنهم يحاولون الآن إلقاء أبناء فلسطين في البحر، ودفعهم إلى التيه في البراري والصحاري، مقاومين ماضي “اليهودي التائه” بحاضر “العربي التائه” ومستقبله. حتى لا تتم تصفية “القضية الإسرائيلية” (…)!

تلك هي مقاومة “بنت.. واشنطن: إسرائيل”، المنتج والصنف الجديد في “أكتوبر الأسود”.

شاهد أيضاً

بريطانيا: تغيّرت الحكومة وبقيت الأزمات

بقلم: جمعة بوكليب- الشرق الأوسطالشرق اليوم- الارتباك الذي ساد الحكومات البريطانية المحافظة منذ 2016، وهو …