بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- على شفا حرب إقليمية محتملة، تتبدى مسؤولية الولايات المتحدة عن الوصول إلى هذه الحافة الخطرة.
والمفارقة الأولى في المأزق الذي تجد الولايات المتحدة نفسها فيه، أن إداراتها المتعاقبة، في العقود الأخيرة، دأبت على التأكيد أنها بصدد الانسحاب من الشرق الأوسط، بكل أزماته المزمنة والمستجدة، لمصلحة التوجه إلى الشرق الآسيوي، حيث الصراع على النفوذ والمصالح والمستقبل محتدم مع الصين.
ورغم ذلك الرهان الاستراتيجي، تكاد تستغرق الآن بالكامل في حروب الشرق الأوسط.
والمفارقة الثانية أن إدارة جو بايدن لم يعهد عنها، عكس الإدارات السابقة، أي اهتمام بملف الصراع يتجاوز سطحه إلى عمقه. لا هي حرصت على أن يكون لديها مشروع، ولا عملت على تصفية القضية الفلسطينية على النحو الذي حاولته إدارة سلفه وغريمه، دونالد ترامب. مع ذلك، فإنها تنخرط، سياسياً وعسكرياً، الآن بأكثر مما أقدمت عليه أية إدارة أمريكية في الحروب العربية الإسرائيلية السابقة.
المفارقة الثالثة، التراجع الفادح في مستوى كفاءة الإدارة السياسية الأمريكية لأزمات الشرق الأوسط، حيث الارتباك بادٍ في خطابها، والشكوك تضرب صِلاتها مع حلفائها التقليديين. والأسوأ أنها لا تعرف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه بالتورط المباشر في حرب إقليمية تقول إنها لا تريدها.
لم يكن الانحياز المطلق لإسرائيل جديداً على الولايات المتحدة منذ صعودها إلى قيادة النظام الدولي، إثر الحرب العالمية الثانية، لكنه بدا هذه المرة على درجة كفاءة منخفضة في إدارة الصراع الذي يوشك أن ينجرف إلى حرب إقليمية خطرة.
لا يمكن المقارنة- على سبيل المثال- بين مستوى كفاءة وزير الخارجية الحالي، أنتوني بلينكن، بكفاءة وزير الخارجية هنري كيسنجر.
كلاهما يهودي وموالٍ لإسرائيل، كيسنجر تعامل كوزير خارجية قوة عظمى، بينما بلينكن حرص على إبراز هويته الدينية.
والأخطر أنه ركز جانباً كبيراً من جهده الدبلوماسي لمحاولة تسويق سيناريو تهجير أهالي غزة إلى سيناء. ولم يكن ممكناً أن تقبل مصر ذلك السيناريو، ولا الأردن بوارد الصمت على تداعياته، خشية أن يتكرر تهجير مماثل من الضفة الغربية إلى الضفة الأخرى، ولا الفلسطينيون جميعهم مستعدون لتقبّله خشية نكبة ثانية.
ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، تغيب عن الإدارة الأمريكية أية تصورات لما قد يحدث في اليوم التالي.
المفارقة الرابعة، أن الدعم العسكري والاستخباراتي، وإمدادات السلاح، وإرسال حاملتي طائرات، وبوارج حربية، إلى شرق المتوسط، والشراكة في التخطيط والإعداد، وصلت إلى حدود غير مسبوقة.
مع ذلك، تخشى الإدارة الأمريكية عواقب حرب برية طويلة ومكلفة، وطلبت تأجيل قرار التدخل بذريعة الحفاظ على حياة الرهائن المحتجزين، واستكمال جاهزية القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة، خشية أن تتعرض لهجمات ممن تسميهم “وكلاء إيران”.
المفارقة الخامسة، أن إدارة بايدن التي راهنت على الحرب في أوكرانيا لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا وتؤكد قيادتها المنفردة للنظام الدولي، تجد نفسها أمام سؤال استراتيجي صعب: أيهما أهم للمصالح الأمريكية العليا: كسب حرب أوكرانيا، أم إنقاذ إسرائيل من أية تداعيات تنال من أدوارها في الشرق الأوسط؟
هناك شبه إجماع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في مجلس النواب على دعم إسرائيل، ورئيسه الجديد مايك جونسون، المقرب من “ترامب”، يميل في الوقت نفسه إلى التخفف من أعباء الحرب الأوكرانية. يستلفت الانتباه هنا أن أخبار الحرب الأوكرانية تكاد تكون اختفت من على الشاشات. هذا مؤشر إضافي يصب في مصلحة روسيا وحليفتها الصين.
المفارقة السادسة، استحالة الجمع في سياسة واحدة بين الاعتبار الإنساني الذي يستدعي إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بصورة مستدامة لإنقاذ حياة أكثر من مليوني فلسطيني، وتبنّي خيار الحرب البرية الواسعة التي سوف تفضي لمزيد من الضحايا.
وتمانع الولايات المتحدة حتى الآن في استصدار قرار دولي من مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق النار بذريعة أنه يصب في مصلحة “حماس”، فيما تتبنّى المجموعة العربية توجهاً مختلفاً يقترب من الموقفين الروسي والصيني.
وهذه أوضاع تؤشر إلى تغييرات مقبلة في حسابات المصالح المتنازعة في الشرق الأوسط.
الإدارة السياسية الأمريكية