بقلم: نبيل عمرو – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- لا أحد يعرف متى تتوقف هذه الحرب، بمن في ذلك الأطراف المباشرة التي تخوضها هجوماً ودفاعاً، إلا أن قانون الحياة يقول إنها لا بد أن تتوقف.
في أثناء الحرب، انتعش مصطلح الأفق السياسي وحل الدولتين على نحو لافت، إذ لا أحد ممن أدلوا بدلوهم في تطوراتها، سواء من معسكر الداعمين لخيار العمل العسكري الإسرائيلي، أو المتحفظين عليه، إلا وتبنى فكرة حتمية إيجاد أفق سياسي، وأكثر من تحدث عنه وعن حل الدولتين هو الرئيس بايدن.
ليس منطقياً وربما ليس مجدياً، الذهاب بعيداً في اقتراح سيناريوهات تفصيلية للمسار السياسي، بينما نتائج الحرب لم تتضح ولا حتى بصورة تقريبية، لذا فإن الحديث عما بعد الحرب، لا يتجاوز الاحتمالات.
الاحتمال الأول، الذي يرقى إلى مستوى البدهيات التلقائية، هو قيام الإدارة الأمريكية الحالية، بجهد جدي لإطفاء الحرائق المشتعلة والكامنة في الشرق الأوسط، بمبادرة سياسية يفترض أن تكون أعدل وأفعل من كل المبادرات السابقة من كامب ديفيد الأولى، إلى أوسلو الأخيرة، ذلك أن الحديث الأمريكي عن حل الدولتين، من دون اقترانه بجهد ملموس في هذا الاتجاه، ومن دون رؤية تأثيره الإيجابي، على الموقف الإسرائيلي، لا بد أن يقود تلقائياً إلى الاحتمال الثاني، وهو إدارة الأزمات، الذي ذهبت إليه الإدارات وعملت عليه، بعد أن أغلق نهائياً باب المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لينفتح باب القتال متفاوت الحدة على جبهتي الضفة وغزة، ما أنتج ضعفاً شديداً للسلطة الفلسطينية حتى تحولت إلى عبء على أهلها والمراهنين عليها، وأتى بغلاة اليمين في إسرائيل إلى السلطة، وفق القاعدة الثابتة… كلما ابتعدت فرص السلام ارتفعت فرص اليمين في حكم إسرائيل.
توغل أمريكا في سياسة إدارة الأزمات أنتج شعوراً لدى الفلسطينيين بأن قضيتهم أضحت مجرد تسهيلات اقتصادية، حين أكثرت واشنطن من الحديث عن مساعدات ينبغي أن تقدم من أجل رفاهية الفلسطينيين، ثم انحدرت إلى أمنية، حين رعت أمريكا العديد من الفعاليات تحت سقف التفاهمات الأمنية بين الجانبين، وأخيراً وعلى وقع الحرب التدميرية على غزة والمقترنة بحرب خنق الضفة بين قبضتي الجيش والمستوطنين، ظهر مصطلح الحلول الإنسانية، التي هي على ضرورتها وخصوصاً في غزة، تظل بعيدة عما يطلبه الفلسطينيون، أي الحل السياسي.
إن ما يضاعف قلق الفلسطينيين من سياسة إدارة الأزمة بدل معالجتها بما يفضي إلى حلها، أنها استقرت في هذا المكان على مدى زمني طويل، والتزمت بها عدة إدارات متتابعة من أوباما ووزير خارجيته جون كيري الذي أدّى آخر محاولة لحل سياسي وأعلن فشله محملاً المسؤولية لإسرائيل، ثم إدارة ترمب صاحب المبادرة التي ولدت ميتة بفعل الاعتراض الفلسطيني والعربي والدولي عليها. ثم إدارة بايدن التي وعدت في أثناء الحملة الانتخابية بتعديل المسارات وعجزت عن الوفاء بوعدها.
الحرب على غزة والضفة صعبة وشديدة القسوة على الفلسطينيين، إلا أن ما سيكون أصعب سياسيا حين تعود أمريكا عرّابة إسرائيل والتسوية وبقايا أوسلو إلى سياسة إدارة الأزمات رغم اعترافها وإنْ بصوت خافت، أنها أنشأت فراغاً خطيراً ليس فقط على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، بل على مستوى الإقليم كله.
لقد دخلت إدارة بايدن شريكاً مباشراً في الحرب على غزة، وحشدت أساطيلها في المنطقة تخوفاً من اتساع نطاق الحرب بما يشعل الإقليم كله.
وأهم ما أنتجه هذا الجهد العسكري المباشر تقوية النفوذ الأمريكي على القرار الإسرائيلي، الذي كان المعوق الأساسي لأي تقدم على المسار السياسي، بعد أن وسعت حكومة اليمين المتشدد في إسرائيل مساحة تمردها على جوانب عديدة من السياسة الأميركية.
مسار الحرب الراهنة أظهر اختلافاً عميقاً وواسعاً بين أمريكا ومن يفترض أنهم أصدقاؤها إن لم نقل “حلفاؤها”، لقد اتخذوا جميعا مواقف حاسمة ليس فقط بإدانة الحرب التدميرية على غزة، وإنما بحتمية بداية مسار سياسي فعّال يضع حداً للحروب المشتعلة أو التي يمكن أن تشتعل، في غياب سلام دائم وعادل، فهل ما حدث – وهو كبير ومكلف وخطير – ينقل الجهد من إدارة الأزمات إلى حلها؟ هذا ما سيظهر قبل توقف الحرب بوصفه مقدمات أولية، وبعد توقفها بوصفه مسارا سياسيا.