بقلم: جنى الدهيبي – الجزيرة
الشرق اليوم- في ظل تصاعد وتيرة اشتباكات حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، يعيش لبنان على وقع المخاوف من نشوب حرب قد تمتد إليه من قطاع غزة، وضع انعكس على مطار بيروت الدولي الذي أجلى عددا من طائراته، وتراجعت حركة ملاحته.
ورغم أن الاشتباكات تدور ضمن قواعد جديدة وواسعة النطاق فرضتها عملية “طوفان الأقصى”، وضعت الحكومة اللبنانية خطط طوارئ تحت وطأة أزمة خانقة، وتخبط بالإجراءات، تنذر بنتائج كارثية لأي عدوان محتمل قد تشنه إسرائيل على لبنان.
ماذا يجري بالمطار؟
وقبل أيام قررت شركة “طيران الشرق الأوسط” اللبنانية (ميدل إيست -مالكة الخطوط الجوية الرسمية) إجلاء 10 طائرات من الطراز الحديث من أصل 22 طائرة للدول المجاورة، بعدما أبلغتها شركات التأمين، أنها ستخفض تأمين الحرب على الطائرات بنسبة 80%- كون لبنان أمام مخاطر حرب- ما أدى إلى خفض حركة ملاحة الشركة بنسبة 80% مرة واحدة.
وجاءت الإجراءات المتخذة بإطار حماية الشركة من خسائر محتملة، إذا ما توسعت الحرب التي تهدد بقصف مطار بيروت- كما حصل بحرب تموز 2006- في حين حافظت على دور المطار بوابة للمسافرين من لبنان إلى الخارج.
ويرى مراقبون أن الإجراءات ستلحق الخسائر بالمطار وسمعته، مع إقدام عدد كبير من شركات الطيران الأجنبية لتخفيض مستوى وعدد رحلاتها من وإلى لبنان.
ونُقلت معظم الطائرات إلى قبرص وتركيا، وتوزعت أخرى على مطارات عمان والدوحة وباريس والكويت ولارنكا، بينما لم تلغ طائرات ميدل إيست الباقية -وهي 12 طائرة- وجهة خطوطها الجوية، واكتفت بإعادة جدولة الرحلات، وتلبية طلبات المسافرين بتعديل مواعيد حجوزاتهم.
وكان رئيس مجلس إدارة شركة ميدل إيست محمد الحوت، قد صرح في وقت سابق بغياب معلومات حول استهداف المطار، وإلغاء نصف رحلات الشركة، مع إصرارها على تأمين الرحلات بين لبنان والخارج، خاصة أن طائراتها لا تنقل المدنيين فحسب، بل تشحن البضائع أيضا، وتغطي نحو 15% من السوق اللبناني.
وتجدر الإشارة أن طيران الشرق الأوسط تبرم عقود التأمين مع شركات أجنبية كبرى، وليس شركات تأمين محلية نظرا إلى حجم أسطولها الذي يقدر بنحو مليار دولار.
وهذا ما شكل شرارة السجال الذي أطلقه وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، الذي يرى أن ميدل إيست تفردت بالقرار، وألحقت الضرر بالمستهلكين.
وطالب أمين سلام، محمد الحوت بتعديل بند التأمين على طائراة الشركة المعنية، عبر إشراك قطاع التأمين اللبناني، ولو بنسبة 1%، خاصة أن إيقاف الطائرات بمطارات أجنبية سيكبد لبنان تكاليف بملايين الدولارات مع الوقت، وكان يمكن تعويضه برفع قيمة التأمين للحفاظ على عدد الرحلات، حسب تحليل أمين.
مضمون الإجراءات
وفي حديث للجزيرة نت، رأى رئيس اتحاد النقل الجوي اللبناني علي محسن، أن ثمة تهويلا ومبالغة بمقاربة إجلاء الطائرات، مذكرا أن شركة طيران الشرق الأوسط، تحيل عادة بهذا الموسم من العام (الموسم المنخفض)، نحو 5 طائرات لها لأعمال الصيانة بعد انتهاء موسم الصيف.
وحسب علي محسن، فإن ما يقع هو صدى لمخاطر الاشتباكات الدائرة بالجنوب اللبناني، التي أثارت مخاوف شركات التأمين، ودفعتها لرفع تكاليف تغطية التأمين على حركة الملاحة الجوية، وبالبحر -كذلك-، بنحو 80%، وهو ما أثر تلقائيا في رفع أسعار تذاكر السفر بالنسبة عينها تقريبا، رغم انخفاض الطلب.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن عددا كبيرا من الرحلات أُلغيت نهائيا، وأخرى دُمجت برحلة واحدة، بعدما كان مطار بيروت -مثلا- يطلق 3 رحلات إلى باريس وغيرها باليوم الواحد.
وأضاف علي، في السياق نفسه، أن معظم الشركات الأجنبية، في أوروبا وأفريقيا، خفضت رحلاتها من وإلى بيروت لحدود 20%، وأخرى علّقت رحلاتها نهائيا، مثل السعودية حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وقد تجدد مهلة التعليق.
ويفيد علي محسن بأن ميدل إيست تغطي رواتب نحو 6 آلاف موظف لديها، وهناك نحو 10 آلاف آخرين يستفيدون من ملاحتها بطريقة غير مباشرة عبر عملهم بالمطار والشحن والنقل وغيرها، معدا أن هاجس الشركة حاليا، توفير رواتب الموظفين، وليس تحقيق الأرباح.
يذكر أن الإجراءات المتخذة تندرج ضمن الخوف من تكرار “سيناريو” عدوان تموز 2006، حين قصفت إسرائيل خزانات وقود و3 مدارج لمطار بيروت، باستثناء المدرج التاريخي، ما تسبب بخروج المطار عن الخدمة خلال الحرب، وشهر بعد انتهائها.
ويطالب علي بضرورة الحفاظ على دور المطار وميدل إيست، التي تتولى عمليات الشحن الجوي أيضا، وأهمها شحن الأدوية من الخارج. ويقول، إن المطار يعمل حاليا بصورة شبه طبيعية، وهناك شركات طيران تواصل التقيد برحلاتها.
أما بحال وقعت الحرب، فإن مديرية المطار المدني ورئاسة المطار والأجهزة الأمنية، من المفترض أن تعمل وفق خطة طوارئ للنقل البحري والجوي، سبق أن وضعتها وزارة الأشغال بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وهي تفعيل لخطة 2005، إضافة للتداول بخطة إخلاء للمطار، بحال تعرضه للقصف.
وقد دفع الواقع عددا كبيرا من الدول للطلب من رعاياها مغادرة لبنان وتجنب زيارته؛ مثل: أميركا وألمانيا وهولندا وفرنسا وإسبانيا وأستراليا والبحرين والسعودية والكويت وغيرها، ما فاقم حالة القلق المنسحبة على واقع المطار.
لمحة تاريخية
يعود إنشاء شركة طيران الشرق الأوسط إلى 1945، وتنشط حركة ملاحتها نحو أكثر من 30 وجهة في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا، ويملك مصرف لبنان غالبية أسهم الشركة.
وشهد مطار بيروت، 4 عمليات عدوان إسرائيلي عليه. الأولى في 1968، حين قصفته إسرائيل ودمرت نحو 13 طائرة مدنية وطائرة شحن تابعة لميدل إيست، ردا على خطف طائرة إسرائيلية بمطار أثينا على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
والثانية خلال قصف إسرائيل المطار في 1976 حيث ضربت حركة الملاحة فيه خلال الحرب الأهلية اللبنانية. والثالثة في 1982 إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث قصفته ودمرت 6 طائرات، وأقفل المطار أكثر من 100 يوم. والأخيرة في حرب تموز 2006.
أزمة سابقة
ويعاني مطار بيروت -تحديدا بعد الانهيار الاقتصادي منذ خريف 2019- من افتقار في عدد مراقبي الحركة الجوية، ولا يتجاوز عددهم مؤخرا 15 مراقبا جويا معتمدا.
وبمؤتمر صحفي عقده وزير الأشغال علي حمية في مطار بيروت، أمس الخميس، أعلن عن بدء توظيف 25 إطفائيا بالمطار، إضافة لانتظار أجوبة 15 شركة لتدريب مراقبين جدد، ولتعيين 25 مراقبا جديدا لإدارة الملاحة الجوية، مؤكدا أن المطار مستمر بتأدية واجباته.
ماذا لو وقعت الحرب؟
تقول الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف، للجزيرة نت، إن الخوف الأكبر من شن عدوان إسرائيلي على لبنان، هو توجهها “الحتمي” لضرب المرافق الحيوية، وأهمهما مطار بيروت الذي يعد أهم المرافق التي تغذي اقتصاد لبنان وتربطه بالخارج. وتعدّ المحللة أن أي خطوة كهذه، سيكون ثمنها باهظا، خاصة بعد تفجير مرفأ بيروت، مما يعني عزل لبنان عن محيطه.
بالبعد السياسي، فإن تحذيرات الدول لرعاياها بلبنان، والإجراءات المتخذة بمطار بيروت، تشير -حسب المحللة ذاتها- بموقع لبنان دولة مواجهة، ما تؤكده التحذيرات الغربية من فتح جبهة لبنان، والسعي للضغط على إيران للجم حزب الله عن التوسع بعملياته العسكرية، التي ما زالت بإطار إشغال إسرائيل وتخفيف الضغط عن غزة.
وتعود روزانا بومنصف إلى حرب 2006، حين اضطرت معظم الدول لإرسال بواخر بغية إجلاء رعاياها من مرفأ بيروت بعد ضرب المطار، وترى أن الدول تدعو رعاياها لمغادرة لبنان، خشية تكرار “سيناريو” ضرب المطار وعمليات الإجلاء الصعبة.
وتقول المتحدثة نفسها، إن الحرب على قطاع غزة، أثبتت أن لبنان بؤرة الصراع الإقليمي بالمنطقة حاليا، وانقسام القوى الإقليمية والدولية، يعني أن أي حرب محتملة على لبنان، ستمنع عددا كبيرا من الدول مدّ يد العون له.