بقلم: رفيق خوري – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– قبل مدة قال رئيس الحكومة المتطرفة لوزارئه “من يرفض قيام دولة فلسطينية فليحافظ على حماس”، في إشارة إلى أهمية الانقسام الفلسطيني بالنسبة إلى قادة إسرائيل الرافضين للتسوية.
بعد “الطوفان” أعلن حرب “القضاء على حماس” في غزة واعتبرها “مسألة حياة أو موت” للدولة العبرية، بل رأى أن نتيجة التدمير المنهجي لغزة والغزو البري لها “ستغير الشرق الأوسط”، ولم يتأخر الرئيس الأميركي جو بايدن بعد عودته من إسرائيل في إبلاغ شعبه أن “نجاح إسرائيل وأوكرانيا أمر حيوي للأمن القومي الأميركي”، والسؤال هو: أي تغيير للشرق الأوسط وفي أي اتجاه؟
الظاهر أنه نحو فوضى إقليمية يصعب ضبطها في صراع بين مشاريع متناقضة، فلا إسرائيل هي اللاعب الإقليمي الوحيد، ولا اللاعب الإيراني البارع في الشطرنج يكشف عن كل لعبته المعقدة والدقيقة. لا تركيا خارج الملعب، ولا أميركا وروسيا والصين وأوروبا تترك القوى الإقليمية تتصرف على هواها لتقود الشرق الأوسط إلى المجهول وتؤذي مصالح الكبار الحيوية والمهمة في المنطقة.
ذلك أن الرئيس فلاديمير بوتين كان ولا يزال يرى في حرب أوكرانيا “ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب على قدم المساواة”، والغرب الداعم لأوكرانيا بكل شيء يريد أن تقود حرب أوكرانيا إلى “إضعاف روسيا” ومنعها من القيام بأية حرب أخرى.
والرئيس الصيني شي جينبينغ الذي التقى “صديقه بوتين” 42 مرة خلال 10 سنين يقول إن “الصين لن تنخرط في أية مواجهة أيديولوجية أو ألعاب جيوسياسية أو مواجهة بين الكتل”. وهم جميعاً يدركون أن قيام نظام عالمي جديد بعد نظام الأحادية الأميركية الذي ورث الثنائية الأميركية – السوفياتية يحتاج إلى حرب دولية مباشرة على مسرح أوسع من الجغرافيا الأوكرانية.
والقاعدة تنطبق على المنطقة، فاللعبة الدموية تدور بين أطراف تعجز وحدها عن إنهاء الصراعات الإقليمية كما عن ترتيب نظام أمني إقليمي جديد. وأي تغيير عميق في الشرق الأوسط يحتاج إلى حرب أوسع من جغرافيا غزة، وأكبر من القتال المباشر بين إسرائيل و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”حزب الله” وفصائل الحشد الشعبي العراقي.
فما دعا إليه الرئيس الأميركي نفسه ونظائره الروسي والصيني والأوروبيون والعرب وما خرج من قمة مجلس التعاون الخليجي ورابطة “آسيان” ومن قمة القاهرة للسلام هو معاودة المفاوضات للوصول إلى “حل الدولتين”، وهي إما مفاوضات مباشرة تحت الرعاية أو في مؤتمر دولي، وليس من السهل عقد مثل هذا المؤتمر في ظل حرب أوكرانيا والصراع الأميركي – الروسي.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية منه، فوجئ رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن الذي قام بالاجتياح لإنهاء منظمة التحرير برسالة من الرئيس الأميركي رونالد ريغان يطلب فيها تسوية سلمية في الضفة الغربية، ولكن بيغن غضب وماطل.
واليوم يتكرر المشهد، كل الذين يريدون وقف حرب غزة والذين يريدون الذهاب فيها إلى النهاية يطالبون بالتسوية السياسية لقضية فلسطين. في الماضي اعتزل بيغن ثم استقال، وفي الحاضر صار مصير نتنياهو مطروحاً على الطاولة في العواصم الكبرى كما في الشارع الإسرائيلي. صحيفة “هآرتس” على سبيل المثال وصفته بأنه “كارثة وطنية”.
فيما يحوم تقرير “لجنة إغرانات”، برئاسة القاضي شمعون إغرانات بعد التحقيق في التقصير في حرب أكتوبر 1973، فوق رأس نتنياهو وغيره من المسؤولين عبر الدعوة إلى لجنة تحقيق في التقصير، وعلى صورة البدايات ومثالها تأتي النهايات.