بقلم: راغب جابر – النهار العربي
الشرق اليوم- تفتح جبهة جنوب لبنان على إسرائيل… لا تفتح… متى تفتح ومن يفتحها؟ أسئلة تجري على كل لسان منذ اليوم الأول لاندلاع حرب غزة يوم 7 تشرين الاول (أكتوبر) الجاري. وهي هاجس كل اللبنانيين من دون استثناء، لاسيما بعد تزايد مؤشراتها في الأيام الأخيرة.
قسمٌ من اللبنانيين يريدها اليوم وليس غداً، نصرةً لغزة وانتظاراً لنصر موعود، وقسمٌ آخر يريدها ضمناً متأملاً في قرارة نفسه نهاية للمقاومة وسلاح “حزب الله”، وبالتالي إمكان حلّ الأزمة الداخلية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأزمات المنطقة وبالأخصّ قضية فلسطين ونفوذ إيران. وطبعاً هناك القسم الأكبر الذي يصلّي ويدعو الله أن يُبعد هذه الكأس المرّة التي ذاقها لبنان وعاشها مراراً رعباً ودماراً وتهجيراً… ثم افلاساً، رغم أنّ الأيام كانت أيام رخاء وتضامن عربي ودولي عوّض الكثير من الأضرار.
اللبنانيون على أعصابهم التي لا تُهدّئها كثيراً الإجراءات الحكومية الاستباقية لأي عدوان اسرائيلي واسع، وهي إجراءات متواضعة لدولة مفلسة لا تملك شيئاً ولا رأس لها ولا حكومة مكتملة، حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال، إذ لا يزال بعض أطرافها يعيش ترف المقاطعة لجلساتها بحثاً عن مكاسب آنية فيما الحرب تهدّد بتدمير البلد.
يعيش اللبنانيون انتظاراً مريراً، وكلهم ينتظر قرار “حزب الله”. و”حزب الله” والعالم ينتظران قرار رجل واحد هو حسن نصرالله، والأخير لن يتخذ قراره من دون إيران، وإيران لن تتخذ قراراً من دون حلفائها الدوليين. ليس قرار الحرب قراراً سهلاً، لأنّ ما بعده لن يكون نزهة ولن يقول أحد لو كنت أعلم. وعليه فإنّ “حزب الله” هو الأكثر تعرّضاً للحَرَج في هذه الحرب، فهو إن صمت سيُسأل وإن حارب سيُسأل.
تزدحم مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات تنتقد “حزب الله” وتتّهمه بالتخاذل عن نصرة “حماس”، وللمفارقة، فإنّ حيزاً كبيراً منها يأتي من المحور المناهض لـ”حماس” وعمليتها العسكرية في غلاف غزة. كما بنداءات من جماعة محور الممانعة تستنخيه لنجدة غزة، متأمّلة بنصر أو على الأقل بتخفيف الضغط عن غزة و”حماسها”.
لكن “حزب الله” المُحرج يتبع في هذه الحرب قول الإمام علي “الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه”، فليس قرار الحرب بهذه السهولة ولا نتائجه ستكون من النوع الذي يمكن للحزب تحمّل عواقبه، كما لقرار الاستنكاف عواقبه على صدقية الحزب والتزامه شعاراته.
لا يخشى الحزب سقوط المئات أو حتى الآلاف من المقاتلين وبيئتهم في الحرب، هذا أمر لا يهمّ كثيراً. وقد حدث مراراً ولم تهتز قدرة الحزب وشعبيته بل زادت. ولا يخشى دمار قرى الجنوب والضاحية، فإيران تعوّض القرش بعشرة، ومن فقد منزلاً في عدوان تموز 2006 بنى مكانه فيلا.
“حزب الله” هذه المرّة يحسبها بدقّة أكبر وبأبعادها الإقليمية والدولية وبالأوضاع المتوترة في العالم في ضوء الحرب الأوكرانية والاصطفافات الدولية واستنفار الغرب، الذي استعاد لهجته القديمة في التحدّي وربما التهوّر، مستشعراً خطراً وجودياً على نفسه في أوكرانيا وعلى إسرائيل التي زرعها في قلب مستعمراته قبل مغادرتها.
يحسبها جيداً “حزب الله” من دون أن يتخلّى عن خيار الحرب. ربما ينتظر ذروة عنف أخرى في الحرب الإسرائيلية على غزة، أو ربما ظرفاً اقليمياً مؤاتياً، أو قراراً إيرانياً بتفعيل نظرية “وحدة الساحات”. في حسابات “حزب الله” أنّ لبنان لا يتحمّل حرباً تدميرية، وأنّ الغطاء الشعبي ليس كما في حرب تموز. شيعة الجنوب يدفعون منذ الآن أثماناً مضاعفة بدل ايجارات في المناطق المسيحية والسنّية والدرزية، وأوضاع الطقس ليست عاملاً مساعداً، فلا ملاجئ في الحدائق العامة والفضاء الخارجي، ولا سوريا قادرة على إيواء الهاربين من الحرب. هذا أثناء الحرب، أما بعدها فلا مساعدات ولا تضامن ولا من يرسلون قوافل إغاثة ومساعدات، بعدما تخلّى من كانوا يغيثون عن اهتمامهم بلبنان وباتوا ينتظرون سقوطه نهائياً علّ ذلك يدفعه إلى خارج محور الممانعة.
“حزب الله” مُحرج ويحسبها بدقّة، هذه المرّة عليه مواجهة اسرائيل وأميركا أيضاً إذا اندلعت الحرب على الجبهة اللبنانية، وستكون حرباً قاسية جداً عليه وعلى لبنان، وعلى إسرائيل. ستواجه إسرائيل قوة منظّمة كبيرة وفعّالة يصعب قهرها في الميدان، لذلك ستعمد إلى أسلوبها المعهود في تدمير البنى التحتية لتوجع الحزب في الطوائف والمناطق اللبنانية، عبر تحميله مسؤولية خراب البلد.
يحسبها “حزب الله” جيداً، لأنّ الحرب إذا تمدّدت سيكون وحده القوة الفاعلة والمؤثرة التي ستتحمّل العبء الأكبر قتالاً وضحايا بشرية واقتصاداً وتبعات. “وحدة الساحات” لن تأتي بأحد لنصرة الحزب في لبنان، فطريق سوريا ستكون مقفلة تماماً. الحوثي سيُطلق بضعة صواريخ تسقط فوق الصحراء السعودية وفي البحر ولا يصل منها إلى فلسطين الا النزر القليل، وسيملأ الساحات هتافاً “الموت لأمريكا”، والحشد الشعبي في العراق سيُطلق بضع مسيرات وقذائف على القواعد الأميركية في التنف وعين الأسد، فيما حكومته تكون منشغلة بالتنسيق الأمني مع واشنطن. أما إيران فلن تدخل الحرب مباشرة.
لكل ذلك ولأسباب أخرى لا يعرفها الاّ حسن نصرالله، “حزب الله” محرَج.