الشرق اليوم- أكد كبير مسؤولي المخاطر في مجموعة زيورخ للتأمين بيتر غيغر، أن “التوترات الجيوسياسية لم تهدأ، والحرب لا تزال مستمرة، والتضخم لا يزال موجودا. ولكننا اعتدنا على ذلك.”
وفي بداية عام 2023، نشر المنتدى الاقتصادي العالمي تقرير المخاطر العالمية، وهو مسح كبير يقيم أكبر المخاطر التي يواجهها العالم، والذي خلص فيه إلى أن البشرية تواجه “أزمة متعددة”. وتتجمع الأزمات الاقتصادية والعالمية والسياسية والمناخية لتخلق توترات وشعوراً بعدم الاستقرار إلى درجة لم يشهدها العالم منذ سنوات طويلة.
وفي الاجتماع السنوي للمنتدى في دافوس في وقت سابق من عام 2023، كانت كلمة “تعدد الأزمات” هي الكلمة الغالبة إلى حد كبير. وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على هذا الاجتماع، يتفق غيغر مع كارولينا كلينت، المدير العام لشركة Marsh McLennan، في التفكير في ما تغير، وما هي أكبر المخاطر التي يواجهها العالم الآن.
هل ما زلنا في أزمة متعددة؟
يستنتج غيغر أن الوضع لا يزال قائما، لكن ربما يشعر الكثير من الناس بالأمر بشكل أقل حدة مما كانوا عليه في بداية العام.
ويقول معلقا: “يعتاد البشر على الظروف بسرعة كبيرة؛ ما لا يحبونه حقًا هو التغيير… وهذا ما يخلق القلق”، “أعتقد أنه إذا استمر الوضع الحالي، فلن يشعر الناس بالقلق الشديد بشأنه، لأننا الآن تعاملنا معه لمدة نصف عام، وسنواصل التعامل معه”.
ما الذي تغير في الاقتصاد؟
في بداية عام 2023، كانت العديد من دول العالم المتقدم تعاني من أزمة تكلفة المعيشة نتيجة لعدم استقرار السوق ووصول التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود. وبعد مرور ستة أشهر، نجح تدخل السلطات في احتواء المخاطر المباشرة للاضطرابات المالية على نطاق واسع، كما تعتقد كلينت، لكنها أكدت: “لكننا لم نخرج من الأزمة بعد”.
وأضافت: “قد يظل التضخم مرتفعا، بل وربما يرتفع في حالة حدوث المزيد من الصدمات. فمن الممكن أن تتصاعد الحرب في أوكرانيا، على سبيل المثال، أو قد تؤدي الأحداث المتطرفة المرتبطة بالطقس إلى فرض سياسات نقدية أكثر تقييدا. ومن ثم نحن في ورطة مرة أخرى… لذا أعتقد أننا مازلنا ننتظر لنرى التطورات”.
“لكنني أعتقد أن تلك اللحظات العصيبة للغاية التي كنا نعيشها قد خفتت، على الأقل قد استقر الأمر قليلاً”.
ويعد الاقتصاد الصيني، الذي انتعش بقوة أقل مما كان متوقعا عقب الوباء، أحد الأمثلة على استمرار حالة عدم اليقين.
ويقول غيغر: “الثقة هي أحد أهم العوامل لتحفيز النمو. فالناس يقومون بالاستثمارات، إذا كانوا واثقين في المستقبل. وأعتقد أنه من الواضح أن هناك نقصًا في الثقة في الاتجاه الذي يتجه إليه العالم. فليس من السهل إعادة تأسيس ذلك”.
استقرار سلسلة التوريد
أيضا تلقت سلاسل التوريد ضربات قوية في السنوات الأخيرة؛ من الحرب التجارية بين أميركا والصين، إلى الوباء، إلى سفينة الحاويات “إيفر غيفن” العالقة في قناة السويس… وعلاوة على ذلك، تؤدي التوترات الجيوسياسية الآن إلى زيادة العقوبات والضوابط التجارية.
وتقول كلينت إنه “مع التصعيدات الجيواقتصادية الحالية التي نشهدها، نرى أيضًا تطورًا للسياسات القومية. ونتيجة لذلك، تتطلع البلدان بشكل متزايد إلى بناء الاكتفاء الذاتي. وبطبيعة الحال، سيؤثر ذلك سلبًا على العولمة، لكنه يسلط الضوء أيضًا على مدى هشاشة سلاسل التوريد العالمية وعدم موثوقيتها”.
ومن جانبها، تتطلع الشركات إلى بناء المزيد من الاستقرار في سلاسل التوريد الخاصة بها، من خلال استكشاف موردين جدد أو تقريب الإنتاج من مقراتها. وهذا محور استراتيجي ضخم للعديد من الشركات.
وترى كلينت أن التركيز على الكفاءة بدلا من المرونة في سلاسل التوريد جعل الشركات عرضة للصدمات. وأدى الفشل في التعرف على المخاطر الناشئة والاستجابة لها، إلى تقليل قدرتها على الاستجابة لهذه المخاطر. لكن مواقف الشركات في اتباع نهج استراتيجي تجاه المخاطر تطورت بشكل ملحوظ.
أزمة المناخ
سنة بعد سنة، تتصدر أزمة المناخ تقرير المخاطر العالمية. وهذا ليس شيئًا من المحتمل أن يتغير، وسيظل الخطر الأكبر الذي يواجه البشرية.
ويوضح غيغر أن “الحقيقة القبيحة التي بدأنا نراها، هي أن بعض الأماكن التي كان من الجيد العيش فيها، ستصبح غير آمنة، وستصبح معرضة للكوارث الطبيعية المنتظمة إلى درجة قد لا تتمكن فيها شركات التأمين من دفع المستحقات، أو سيكون قسط التأمين كبيرًا لدرجة أن الناس لن يكونوا قادرين على دفعه”.
وهناك قضايا بيئية أخرى، مثل فقدان التنوع البيولوجي ــ نتيجة لتدمير الموائل أو السياسات الزراعية العدوانية، على سبيل المثال ــ تتصدر أيضا أجندة المخاطر.
لكن كلينت ترى أسباب للتفاؤل أيضًا، حيث يعمل المساهمين بنشاط على رفع موقع المسائل البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إلى مرتبة أعلى على جدول الأعمال، فيما كانت أزمة الطاقة نتيجة للحرب في أوكرانيا سبباً في تسريع التوجه نحو الطاقة الخضراء.
هل ظهرت أي مخاطر جديدة؟
في الأشهر الستة الماضية، احتل الذكاء الاصطناعي موقعا متقدما في الوعي العام، لكن غيغر يعتقد أن هناك الكثير من الضجيج في هذا الأمر. ويقول: “يبالغ الناس تمامًا في تقدير التأثير على المدى القصير، ويقللون تمامًا من التأثير على المدى الطويل.
بعد عشر سنوات من الآن، سنكون قد تكيفنا مع عالمنا وسيكون الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ منه، وسيبدو الأمر طبيعيًا. ولكن من المؤكد أن اتجاهات التكنولوجيا الناشئة الأخرى، والمخاطر المحتملة الناجمة عنها، تحتاج بالتأكيد إلى أن تظل قيد المراجعة”.
وبعيدًا عن التكنولوجيا، تقول كلينت إن “الوباء التالي” يحتاج إلى مراقبة دقيقة، “من أجل أن نضمن أننا تعلمنا الدروس من كوفيد-19”.
المصدر: CNBC