بقلم: مجد بومجاهد
الشرق اليوم- لا تنحصر أو تخفت التساؤلات حيال مدى إمكان تمدّد “رقعة الحرب” المتّخذة منحى اشتعال ناريّ تصاعديّ في قطاغ غزّة، وهل إنّ “كرة اللهب” ستنتقل نحو وجهات إضافية وتحديداً إلى مناطق سيطرة محور “الممانعة”؟ وإذا كانت المناوشات المحدودة تختصر واقع الحال على الحدود اللبنانية الجنوبية حتى اللحظة، فإلى أي مدى يمكن أن تستمرّ في سياق محدود أو أن هناك احتمالات فعلية لتحوّلها “رقعة حرب ثانية”؟
تنطلق علامات الاستفهام التي يطرحها المراقبون من التساؤل إذا كان في استطاعة الأطراف المتصارعة أو تلك التي يمكن أن تلتحق بالمواجهات كالأذرع الموالية لإيران مثلاً تحمّل أشهر إضافية من الحرب. من جهة، تستعرض إيران قوّتها العسكرية في غزّة ومن جهة ثانية تستمرّ “حماس” في إطلاق صواريخ وعلى عسقلان وتل أبيب ما يًظهر إمكانات آخذة في الاعتبار “طول المعركة” العسكرية.
المؤكَّد انطلاقاً من الوضع القائم وفق قراءة الأمين العام لـ”المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان” مصطفى علوش أنّ “الجانب الإسرائيلي والجانب الإيراني متمثّلاً بـ”حزب الله” لا يريدان توسيع إطار الحرب الدائرة على مستوى قطاع غزّة، لكن المسألة ليست متعلّقة في ما يريده الطرفان فحسب. تحتاج إسرائيل إلى تحقيق انتصار كبير يعوّض الخسائر التي تعرّضت لها نتيجة هجوم “حماس” ما يساوي أَضعَافَ حجم خسائرها لكنّها قد تتعرّض لهجوم إضافيّ إذا كانت “حماس” فعّلت حساباتها العسكرية سابقاً”.
ويقول علوش لـ”النهار العربي” إنه “في حال دخول طهران في الحرب مباشرةً أو من خلال أذرع خارج قطاع غزّة، فإن الردّ لن يستثني ضرب الأراضي الإيرانية في وجود حاملات الطائرات الأميركية”. ولا يغيب عن قراءته أن “تمادي “حزب الله” في مناوشاته سيغيّر المعركة، علماً أنه ليس جاهزاً لخوض حرب، لكنّه سينخرط فيها إذا جاءت الأوامر من إيران التي تعتبر لبنان موقعاً عسكرياً. ولم يسبق “حزب الله” أن تطلّع إلى الأوضاع اللبنانية التي لا تدخل في حساباته استناداً إلى تجربة حرب 2006 بل يعتبر فيلقاً عسكرياً”.
وفي الانتقال إلى القراءة العسكريّة للمجريات العامّة، يلاحظ مدير “المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات” العميد المتقاعد خالد حمادة أن “القرار لم يتّخذ وربّما لن يتخذ في نقل الاشتباك الحاصل إلى الحدود اللبنانية الاسرائيلية، وقد تكون المناوشات الحاصلة من باب الإحراج الذي يتعرض له “حزب الله” لعدم فتح الجبهة، سيما أنه كان أوّل المنظّرين لعملية الدخول إلى الأراضي المحتلة وكان يسوّق دائماً للدخول إلى الجليل. وإذ حصل الاختراق من حركة “حماس” إلا أن طهران لا تريد الاشتباك مع إسرائيل على الحدود اللبنانية السورية، ولا تزال تترقّب ماذا سيحصل في غزة وأيّ نقاط سياسية في الإمكان أن تجنيها من خلال هكذا عملية”.
وتالياً، يعتبر حمادة أنّ “طهران ستضيف قطاع غزة إلى جانب العواصم الأربع التي تسيطر عليها كهدف سياسي يكرّر نموذج جنوب لبنان لناحية هيمنة “حزب الله” على البلاد من خلال هيمنة حركة حماس على السلطة في فلسطين المحتلة. وتتمثّل الظروف التي تملي انتقال القتال إلى جنوب لبنان في حال أفلست طهران من تحقيق هدفها ولا يتبقى لها سوى تحريك جبهة لبنان للمزيد من الضغط. وإذا تطوّرت الأوضاع فإن قرار الحرب يتّخذ في طهران كما اتّخذ قرار الحرب عام 2006 والقبول في التسوية ثم الانقلاب عليها حتى الوصول إلى عملية ترسيم الحدود البحرية”.
كلّ القرارات المتّخذة بحسب استطلاع خالد حمادة، “تتّسق مع المصلحة الإقليمية الإيرانية والموضوع أبعد من تحميل المسؤوليات وربما كلّ الحكومة اللبنانية والوسط السياسي يتمنى ألا تتخذ طهران قراراً مماثلاً لكن ليس لديه ما يقدّمه على صعيد إلزام طهران أو تقديم النصيحة لها في العودة عن قرار الحرب إذا أرادت الإقدام على ذلك. يقاد لبنان من طهران وكلّ اللبنانيين في قطار واحد يقوده “حزب الله” وتديره طهران عن بُعد. وإذا كان من رأي يجب قوله، فإن أفضل إجراء يمكن أن يتخذه “حزب الله” المأزوم حالياً القول إنه يقف خلف الحكومة اللبنانية في وقت كان يبارك الترسيم البحري عن بعد”.
من ناحيته، يرجّح الخبير العسكري العميد المتقاعد سعيد قُزَح “عدم تأجيج جبهة حرب في الجنوب اللبناني في غياب مصلحة الطرفين المتنازعين، فيما تتلهى اسرائيل في مواجتها الدائرة في غزّة وانتفاء مصلحة “حزب الله” خوض حرب طالما ينحصر قراره في يد إيران التي يًعتبر بالنسبة لها أشبه بورقة تحصّن من خلالها أمنها الشخصي ويمكن استعمالها إذا تعرّضت للمخاطر الذاتية مستغلّة إياه للدفاع عن مصالحها. وقد تستمرّ المناوشات على الحدود الجنوبية بغية توجيه رسائل، إلا أن تمدّد الحرب سيؤدي إلى خراب لبنان في وقت يُشكّل الإبقاء على المناوشات التكتية أسلوباً ليكون “حزب الله” في منأى عن الانتقادات”.
وقال قُزح: إنه “كان يمكن لـ”حزب الله” اعتماد عنصر المفاجأة في التوقيت ذاته الذي اعتمدته حماس، لكن اسرائيل باتت حالياً في مرحلة تأهّب مع جهوزية 160 ألف عسكريّ على الحدود الشمالية. ومن جهة ثانية، من المرجّح استمرار العملية الاسرائيلية في غزّة قرابة أشهر مع غزو بريّ محدود وتحضير مسالك تسهّل تقدّم الدبابات في محاور محدّدة”، لافتاً إلى أنّ “النتائج تتوقَف على عمق المعارك وحجمها. وإذ لا يمكن إبادة “حماس” من الوجود لكن في النهاية سينبثق حلّاً يمكن أن يتمثّل في تسليم السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” قطاع غزّة أو اللجوء إلى إدارة اقليمية للقطاع. وفي غضون ذلك، يلاحظ فقدان “حماس” قوّتها العسكرية تدريجاً مع تقلّص ذخيرتها الموجّهة إلى المستوطنات”.
المصدر: النهار العربي