الشرق اليوم– نشر مركز “ستراتيجيكس” للأبحاث والدراسات، تقدير موقف، يتناول اتجاهات الحرب المتعددة بين حماس وإسرائيل.
وتاليا نص المادة المنشور:
بالرغم من مرور ستة أيام على الحرب فإن مآلاتها المحتملة لا تزال بالنسبة للمراقبين نقاط “عمياء”، إذ تطرح الحرب اتجاهات متعددة على المستويات الإسرائيلية، والفلسطينية، والإقليمية، والدولية. لذلك يتناول هذا التقدير طرح الاحتمالات الأكثر ترجيحاً لاتجاهات الحرب مستقبلاً.
بدأت حركة حماس عملية “طوفان الأقصى” في صبيحة السابع من أكتوبر 2023، بإطلاقها مئات القذائف الصاروخية وانغماس مقاتليها في مستوطنات غلاف غزة وعسقلان، وبمشاركة من الفصائل المسلحة الأخرى وتحديداً سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، لتعلن إسرائيل “حالة الحرب” للمرة الأولى منذ العام 1973، وإطلاق عملية “السيوف الحديدية” لاستهداف البنية التحتية لحماس في قطاع غزة. وبالرغم من مرور ستة أيام على الحرب فإن مآلاتها المحتملة لا تزال بالنسبة للعديدين نقاط “عمياء”، إذ تطرح الحرب اتجاهات متعددة على المستويات الإسرائيلية، والفلسطينية، والإقليمية، والدولية. لذلك سنحاول من خلال هذه الورقة طرح الاحتمالات الأكثر ترجيحاً لاتجاهات الحرب في الأيام وربما الأسابيع القادمة.
“طوفان الأقصى”: الفعل والدوافع
نفذت حركة حماس عمليتها النوعية عبر اختراق عناصر الحركة للجدار الحدودي الفاصل ما بين قطاع غزة ومستوطنات غلاف غزة براً وبحراً وجواً، باستخدام الطائرات الشراعية والزوارق السريعة، وانغماسهم حتى عُمق 40 كم في مناطق ومستوطنات الغلاف، وتنفيذهم عمليات إطلاق نار وأسر المئات من المدنيين والجنود الإسرائيليين، بالتزامن مع شن هجمة صاروخية كثيفة نحو مستوطنات الغلاف غزة وعسقلان ولاحقاً نحو بئر السبع وتل أبيب والقدس. وقد شكلت العملية في ساعاتها الأولى “صدمة” للمتابعين والمراقبين من جهة حجمها وطرق الاختراق النوعية ودقة المعلومات الاستخبارية للمواقع المستهدفة العسكرية والمدنية والتجهيزات العسكرية للمهاجمين ومستوى التدريبات التي سبقتها، والمحافظة على ثبات الاتصالات مع غرفة العمليات المركزية.
لقد كان التصعيد سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية متوقعاً وراجحاً، في ظل التوترات غير المسبوقة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واتباع الحكومة الإسرائيلية سياسات مُتشددة تجاه الأسرى في السجون الإسرائيلية والاقتحامات المُستمرة للمسجد الأقصى. وفي المُجمل لدى الحركة العديد من الدوافع والأسباب التي تقف وراء تنفيذها هذه العملية ومنها:
1- محاولة حماس لتغيير الوضع القائم: إن حجم الهجوم الذي شنته حركة حماس في الداخل الإسرائيلي، يُشير إلى أن الحركة لم تكن تخطط لكسر حالة الردع مع إسرائيل فحسب، بل إلى تغيير الوضع القائم برمته، وخلق واقع ومعطى جديدين في صراعها مع إسرائيل، يتجاوز جغرافيا قطاع غزة أو الضفة الغربية كساحتي اشتباك مع إسرائيل وينقلها بشكل تدريجي إلى داخل الأراضي الإسرائيلية وصولاً إلى تغيير خارطة المستوطنات وخاصة تلك المتواجدة في غلاف غزة.
2- تعزيز صورتها في الضفة الغربية: سعت حركة حماس خلال السنوات القليلة الماضية إلى تكثيف انخراطها في الضفة الغربية والعمل على إضعاف دور السلطة الفلسطينية فيها، وقد أظهرت الأشهر الأخيرة زيادة في فعالية وجود الحركة ونشاطها في مناطق الضفة الغربية ومحاولاتها تأسيس بنية تحتية عسكرية. بالإضافة إلى تبنيها للعديد من عمليات إطلاق النار ضد المستوطنين سواء في مستوطنات الضفة الغربية أو في العمق الإسرائيلي.
3- توظيف التطور التكتيكي للحركة: بالرغم من أن العملية تعكس تطور حركة حماس في تكتيكاتها العسكرية، وتخطيطها الحربي، وكذلك في أدواتها وأسلحتها سواء الجوية مثل الطائرات الشراعية أو الطائرات المُسيرة، وتنفيذها عمليات كر وفر والسيطرة على القواعد والمعدات العسكرية الإسرائيلية، إلا أن الإشارة إلى ذلك التطور ليس مفاجئاً وله سوابقه سواء في جولات التصعيد بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، أو عبر نشاطها في الضفة الغربية، إذ تشابهت تكتيكات هذه المجموعات مع تلك المتبعة لدى الحرس الثوري الإيراني والجماعات المسلحة المدعومة إيرانياً.
4- الانغماس العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي في السياسة: لطالما راقبت حركة حماس وغيرها من الفصائل المسلحة الفلسطينية، وكذلك حزب الله والجماعات التابعة لإيران حالة الانقسام السياسي والعسكري الذي عاشته إسرائيل بسبب مشروع التعديلات القضائية، ورفض جنود وضباط في الاحتياط للخدمة العسكرية، والتي شكلت بالنسبة لأعدائها علامة على تراجع قُدرة الردع في السياسة العسكرية الإسرائيلية وأن الفرصة سانحة لكسر الهالة المحيطة بالجيش الإسرائيلي.
5- التأثير على مسار اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية: تنظر إيران ومعها الجماعات المسلحة التي تدعمها لا سيما حركة حماس والجهاد الإسلامي، إلى توسع نطاق التطبيع العربي الإسرائيلي بأنه قضية وجودية، وجاءت العملية مع تزايد الحديث عن اقتراب لحظة الإعلان عن تطبيع سعودي-إسرائيلي برعاية أمريكية، وهي مسألة تراها طهران تعزيزاً للوجود والموقع الإسرائيلي في المنطقة على حسابها.
6- استباق الاستفادة الإسرائيلية من الدرسين السابقين: يأتي انغماس عناصر حركة حماس والفصائل المسلحة الأخرى في الداخل الإسرائيلي، كثالث عملية اختراق تشهدها إسرائيل خلال العام الجاري، ففي 16 مارس تسلل مسلح يُشتبه بأنه أحد عناصر حزب الله من الأراضي اللبنانية وتوغل حتى جنوب حيفا وقام بتفجير عبوة ناسفة عند مفترق مجدو، في عملية وصفت بـ”المركبة والمعقدة”، وفي 3 يونيو تسلل شرطي مصري وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، في اشتباك استمر لساعات.
7- قضية تبادل الأسرى: بالرغم من أن المفاوضات السرية بين حماس وإسرائيل عبر وسطاء إقليميين بشأن تبادل الأسرى لا تزال مستمرة، إلا أنها ومنذ سنوات لم تحرز تقدماً ملموساً، ولطالما اعتبرت حماس قضية الأسرى ضمن أولوياتها، منذ نجاحها في أسر الجنديين (هادار غولدن وأرون شاؤول) عام 2014.
“السيوف الحديدية”: بين جبهة الداخل والقطاع
شكلت عملية “طوفان الأقصى” في ساعاتها الأولى حالة من الصدمة في الدولة والمجتمع الإسرائيلي، خاصة تجاه الفشل الاستخباراتي في تعقب الهجوم وتوقعه، وكذلك تجاه الارتباك الذي أظهرته المؤسسة السياسية، وتأخر الاستجابة من قبل الجيش الإسرائيلي، لا سيما وأن عناصر حماس دخلوا في وضح النهار وعبر البر والبحر والجو، وظهروا في تسجيلات مُصورة وهم يتجولون داخل الأراضي الإسرائيلية دون قيود وتمكنوا من أسر المئات من الإسرائيليين والعودة بهم إلى قطاع غزة. وبذلك حكمت اللحظات الأولى إلى جانب الخسائر الكبيرة في الأرواح وعدد الأسرى بالمئات ردة الفعل الإسرائيلية اللاحقة للعملية والمستقبلية، وذلك من جهات عدة أهمها:
1- السيطرة على الجبهة الداخلية: شكل غلاف غزة محور المعركة وميدانها منذ اللحظات الأولى لهجوم عناصر حماس من البر والجو والبحر، وكانت إعادة السيطرة على الغلاف أولوية سياسية وأمنية وعسكرية، ذلك أن استمرار الحركة بالنشاط في الداخل الإسرائيلي عُد هزيمة للحكومة والجيش على حد سواء، ونظراً للصدمة والتخبط وعدم وضوح حجم الاختراق وآثاره، ونقص المعطيات والمعلومات الاستخباراتية والميدانية فقد استغرق الجيش الإسرائيلي ثلاثة أيام قبل أن يعلن سيطرته “نسبياً” على مناطق غلاف غزة في 10 أكتوبر.
2- استعادة دفة الحرب: خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب وقبل استعادة الجيش الإسرائيلي السيطرة على مناطق غلاف غزة، كانت الأولوية بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتمثل في انتزاع دفة الحرب من حركة حماس، التي كانت تنشط بتنفيذ اختراق تلو الآخر، وتستجيب لها المنظومة الإسرائيلية وفق مبدأ “ردة الفعل”، الذي إذا ما استمر كان سيفقد الجيش والاستخبارات تركيزهما ويُفاقم من أخطائهما، علاوة على تزايد حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات والأسرى.
3- تعزيز الردع تجاه جبهة الشمال: كان التوقع الأولي أن عمل بهذا الحجم هو جزء من تنفيذ مباشر لاستراتيجية “وحدة الساحات”، وأن جماعات مسلحة إقليمية ستنخرط في المعارك كلُ وفق دوره، وتحديداً حزب الله الذي كثف في الفترة الماضية من مناوراته على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وخاصة تلك المناورات الهادفة إلى السيطرة على مناطق الجليل، ولذلك دفع الجيش الإسرائيلي بتعزيزات برية إلى حدوده مع لبنان، وأعلنت الولايات المتحدة عن إرسال مجموعة حاملة الطائرات (يو إس إس جيرالد فورد- USS Gerald R. Ford) قُبالة السواحل الإسرائيلية شرقي البحر الأبيض المتوسط.
4- احتواء تأثير الضربة الأولى: كان لإعلان الحكومة الإسرائيلية “حالة الحرب” في البلاد للمرة الأولى منذ قُرابة الخمسين عاماً، استجابة لحالة الصدمة والمفاجأة التي طالت المنظومة والمجتمع الإسرائيليين، وفي الواقع فإن إعلان الحرب هو بمثابة فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد، ووضع المقدرات الاقتصادية واللوجستية والمجتمعية في خدمة الجيش، بالإضافة إلى استدعاء حوالي 300 ألف مجند من الاحتياط للخدمة الفعلية. يعني ذلك إلى جانب الدعم الأمريكي والغربي عموماً؛ أن إسرائيل تمتلك الضوء الأخضر لإعلان قطاع غزة منطقة عمليات عسكرية بعيداً عن الاعتبارات الإنسانية ومن منطلق أن الرد يجب أن يفضي إلى تقليص قدرات حركة حماس والجهاد الإسلامي إلى حدها الأدنى.
5- اعتبارات حزبية وائتلافية: ذهبت العديد من الآراء لا سيما في الداخل الإسرائيلي إلى تحميل الائتلاف الحكومي مسؤولية ما حدث، من جهة سياساتها التي قوضت إلى حد كبير أي آمال فلسطينية بنيل دولتهم المستقلة، ومن جهة إنهاك المؤسسة العسكرية والأمنية بالانقسام الداخلي منذ طرحها لخطة التعديلات القضائية، في وقت صدرت فيه العديد من التحذيرات حول تزايد المؤشرات على تصاعد العنف في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وتراجع قُدرة المنظومة العسكرية الإسرائيلية على الردع. ولذلك يُرجح أنه وبمجرد أن تستفيق إسرائيل من صدمتها فإن الحكومة الإسرائيلية لن تستمر، ونظراً لذلك جاءت دعوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومة طوارئ أعلن رئيس حزب “المعسكر الوطني” بيني غانتس المشاركة فيها يوم 11 أكتوبر 2023.
بين “طوفان الأقصى” و”السيوف الحديدية”: أين تتجه الحرب؟
مع دخول الحرب يومها السادس، لا يزال التنبؤ بأيامها القادمة صعباً ومعقداً، خاصة وأن الحرب تشهد تطورات ومستجدات متسارعة، وربما أحداثاً غير عادية وسياقات مختلفة وفاعلين جُدد. مع ذلك نجد أن أطراف الحرب المباشرين وغير المباشرين محكومون باعتبارات ومحددات محلية وإقليمية ودولية تفرض ذاتها على مسارات واتجاهات الأحداث؛ والتي يُمكن حصرها في أربعة اتجاهات رئيسة كالآتي:
الاتجاه الأول: ذهاب إسرائيل نحو معركة / معارك طويلة
تدلل العديد من المؤشرات أن إسرائيل عازمة على تنفيذ عملية برية في داخل قطاع غزة، من جهة التصريحات المُتتالية التي تصدر عن قيادات المؤسسات الإسرائيلية السياسية والعسكرية، واستدعائها لعدد غير مسبوق من جنود الاحتياط والبالغ 300 ألف جندي، وتنفيذ إسرائيل ضربات جوية مكثفة على قطاع غزة ولساعات متواصلة طالت العديد من هياكل حركة حماس ووزاراتها.
ويدعم هذا الاتجاه مجموعة من المعطيات وهي:
1- تتفق المنظومة الإسرائيلية أن العدد من الكبير من الأسرى يستدعي إضعاف حركة حماس لتحريره، وأن الدخول معها في مفاوضات وهي في حالة قوة ستكون معقدة ومتشابكة وصعبة، وقد تبقى ورقة الأسرى الإسرائيليين سلاحاً بيد الحركة لعقود قادمة.
2- إن معالجة الصدمة التي عاشها المجتمع الإسرائيلي تتطلب ردة فعل عسكرية تتناسب وحجمها، لاستعادة ثقة المواطنين في مؤسساتهم.
3- إن وقف الحرب يعني بدأ المساءلة للحكومة الإسرائيلية ورئيسها، ولربما تضغط المؤسسة العسكرية والأمنية والشارع إلى إسقاطها أو الدعوة لانتخابات مُبكرة قد لا يُحالف رئيس الوزراء نتنياهو الحظوظ للفوز بها مجدداً.
4- قد يُعيد إيقاف الحرب دون حسم الموقف ميدانياً إلى عودة إسرائيل للمربع الأول، في انتظار عمليات نوعية جديدة، وتحت وطأة المخاوف مما يُطلق عليه “وحدة الساحات”.
بالرغم من تلك المعطيات إلا أن محددات عدة تحكم إسرائيل ومنها:
1- إن التوغل البري لقطاع غزة، قد يضع الجيش الإسرائيلي وسط حرب مُدن و”حرب شوارع”، يفقد خلالها فعالية معداته وتفوقه العسكري، ويؤدي إلى استنزافه وانسحابه في نهاية المطاف دون تحقيق نتائج واضحة.
2- تخالف الحروب الطويلة التكتيكات العسكرية الإسرائيلية القائمة على “الحروب الخاطفة”، ولم يُسجل تاريخياً أن خاضت إسرائيل حرباً طويلة المدى، لما قد يترتب عنها من أضرار وخسائر اقتصادية واجتماعية.
3- إن اجتياح الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة في حرب برية خاطفة، قد لا يؤدي إلى تحرير الأسرى أو الحاق هزيمة استراتيجية بحركة حماس، وفقاً للتجارب السابقة كما في الاجتياح البري عام 2008 والذي دام أسبوعين، أو اجتياح عام 2014 والذي استمر لـ 19 يوماً.
وفي ضوء هذا الاتجاه؛ فإن المُرجح أن تدخل إسرائيل في حرب برية طويلة، ولكن متقطعة، عبر إما عبر عمليات نوعية في داخل قطاع غزة، أو التوغل المحدود كالتي تنفذها في الضفة الغربية، من أجل إنهاك قدرات حماس وتحرير الأسرى تدريجياً، وضمان عدم الاشتباك في مسرح عمليات حرب الشوارع، وذلك يتطلب قُدرات استخباراتية ومراقبة على مدار الساعة من الجو والبر والبحر، ويُبقى دفة الحرب بيد الجيش الإسرائيلي. وربما يُعزز من هذا الاحتمال وصول قوة دلتا الأمريكية المخصصة لإنقاذ الرهائن، والتي تعتمد على تنفيذ عمليات عسكرية محددة، ومعالجة الأهداف الطارئة وانفتاح دقيق بهدف تحرير الرهائن، لكن المؤشرات الأولية المبنية على تحليل طريقة تعامل حماس مع الأسرى وتأمينهم تفيد بأنه من الصعب تحرير الرهائن من خلال عملية عسكرية.
الاتجاه الثاني: الذهاب لهدنة وقف إطلاق النار
تبقى احتمالات الهدنة والتهدئة قائمة في كافة الحروب والمعارك على اختلاف أحجامها وسياقاتها، وهي اتجاه محتمل في ضوء الحرب الراهنة بين حركة حماس وإسرائيل.
ويدعم هذا الاتجاه مجموعة من المعطيات وهي:
1- أن الحرب تفاقم من الصعوبات العالمية خاصة على مستوى استقرار أسعار الطاقة، إذ تعاني الدول الأوروبية من الارتفاعات المستمرة في أسعار الطاقة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في ربيع 2022، وهو ما يزيد من تحدياتها الاقتصادية ويرفع من معدلات التضخم وغيره من المؤشرات الاقتصادية الأخرى.
2- قد يؤدي الانشغال الأمريكي في الأزمة الأوكرانية إلى تفضيل التهدئة في قطاع غزة على المدى القريب، خاصة وأن المساعدات الأمريكية المقدمة لأوكرانيا تستنزف المخزون العسكري الأمريكي من الذخائر، ومع الإخفاق في التوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الميزانية الحكومية وإقرار قانون تمويل مؤقت فقد يصبح من الصعب ضمان حصول أوكرانيا وإسرائيل على ما يكفي من الدعم سواء المالي أو العسكري.
3- أن دول الشرق الأوسط وخاصة منها الدول العربية تضغط من أجل التهدئة، منعاً لتفاقم الخسائر من الجانبين، ولتجنب التحركات الشعبية الغاضبة على إسرائيل.
4- تعتبر زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى الأردن وإسرائيل، والإعلان عن نيته زيارة عدة دول في المنطقة، بمثابة الدفع نحو تنسيق المواقف الإقليمية تجاه التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
بالرغم من تلك المعطيات، إلا أن هناك عدة محددات تحكم الطرفين ومنها:
1- أن طرفي الصراع يُعارض حتى اللحظة أي محادثات أو مفاوضات بشأن الأسرى، وهي واحدة من الأوراق الرئيسية القادرة على فرض التهدئة بينها.
2- من شأن قبول إسرائيل للهدنة أن يهز من صورة مؤسستها العسكرية التي تلقت الصدمة واستجابت لها وفق منطق ردة الفعل بتكثيف الضربات الجوية لكن دون الحصول على نتائج فعلية.
3- قد يؤدي قبول حركة حماس للهدنة إلى تغييرات في صورتها سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية من منطلق أن عملية بهذا الحجم، وما رافقها من تضخيم في أهدافها الاستراتيجية لم تنتج سوى مزيد من الدمار والحصار على قطاع غزة.
في ضوء ذلك؛ فإن الحديث عن الهدنة يبقى احتمالاً قائماً على المدى المتوسط وليس القريب، خاصة وأن الدول الغربية لا تزال حساسة إزاء الضغط على إسرائيل لوقف الحرب وهناك تأييد لها في عمليات حاسمة ضد حركة حماس، تتوافق وحجم الخسائر في الجانب الإسرائيلي، ولكن بعد أن تستعيد إسرائيل جزء من صورتها قد تبدأ التحركات الدولية والإقليمية الداعية لوقف إطلاق النار.
الاتجاه الثالث: توسيع دائرة الحرب إلى ساحات جديدة
تطور الأحداث قد يؤدي إلى امتداد الحرب إلى ساحات جديدة، خاصة الساحة اللبنانية وساحة الضفة الغربية، ويتعزز هذا الاتجاه في حالة الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة و/ أو تنفيذ اغتيالات لقادة حماس والجهاد الإسلامي على الأراضي اللبنانية، وتبدو مؤشرات هذا الاتجاه قائمة في ضوء الهجمات المباشرة بين إسرائيل وحزب الله على الحدود والتي أوقعت قتلى من الطرفين، وكذلك مع الدعوات المتواصلة في الضفة الغربية للانتفاض دعماً لقطاع غزة.
ويدعم هذا الاتجاه مجموعة من المعطيات وهي:
1- إن قدرة كل من حزب الله وإسرائيل على ضبط حالة “التصعيد المقيد” على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تتلاشى مع استمرار الطرفين في تكبد الخسائر، وتتزايد الاحتمالات مع مرور الوقت للانزلاق إلى حرب مباشرة بينهما.
2- إن تنفيذ حزب الله (وفقا لمصادر إعلامية مقربة منه) ما يشتبه بأنه هجوم سيبراني تسبب في إطلاق صافرات الإنذار في إسرائيل والاشتباه بوجود حالات تسلل وطائرات مسيرة، يحمل العديد من الرسائل، بوصفه محاكاة لما يمكن أن يحدث حال تدخل الحزب في الحرب، ويعكس من جهة أخرى تعدد أدوات الحزب الهجينة في المشاركة بالحرب إلى جانب حركة حماس.
تُشير مصادر البيانات والتقارير الإعلامية سواء الصادرة من إيران أو جماعاتها، أن “طوفان الأقصى” عملية مدروسة وتقع كمرحلة أولى ضمن مراحل قادمة، تشترك بها كافة الجبهات لا سيما جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن التي يحتمل أن تنفذ هجمات ضد أهداف وسفن إسرائيلية في البحر الأحمر.
3- تمتلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي وجوداً في الضفة الغربية، ومن المحتمل إطلاق العنان لمجموعاتها المسلحة هناك لتنفيذ عمليات ضد المستوطنات الإسرائيلية أو في داخل الخط الأخضر.
بالرغم من تلك المعطيات، إلا أن محددات عدة تحكم الأطراف ومنها:
1- تنبه إسرائيل إلى مسألة “وحدة الساحات” منذ الساعات الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، وإرسالها تعزيزات مكثفة على حدودها مع لبنان، وبذلك فإن اليقظة الإسرائيلية أفقدت حزب الله زمام المبادرة والمفاجئة للانخراط في الحرب.
2- شكل الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل وإرسال مجموعة حاملة الطائرات (يو إس إس جيرالد فورد- USS Gerald R. Ford) قُبالة السواحل الإسرائيلية شرقي البحر الأبيض المتوسط، مساراً جديداً في ردع الأطراف الأخرى المعادية لإسرائيل من الانخراط في الحرب. وهي خطوة تعني أن مكانة الشرق الأوسط وأمن إسرائيل تبقى عقيدة ثابتة في السياسة الأمريكية، بالرغم من تراجع ثقل المنطقة في استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي على مدار السنوات الماضية، وجاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل في 12 أكتوبر 2023 لتؤكد على هذه المقاربة.
3- إن جبهة الضفة الغربية غير قادرة على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة وطويلة الأمد ضد إسرائيل، نظراً لافتقاد المجموعات المسلحة هناك إلى بنية تحتية مماثلة لتلك المتوفرة في قطاع غزة، وكذلك للتدريب والتجنيد اللازمين للتأثير في سياق الحرب الجارية.
في ضوء ذلك؛ بالرغم من إنكار إيران لدورها في عملية “طوفان الأقصى” إلى أن بصماتها العسكرية والإعلامية تُشير لكونها العقل المركزي لمعركة “طوفان الأقصى”، وحدث بهذا الحجم قد يعقبه أحداث وتحركات من جبهات أخرى، خاصة إذا ما شعرت طهران أن الحرب الإسرائيلية تنطوي على خطر وجودي لحركة حماس، ما يعني توسيع دائرة الحرب لضمان عدم فقدان واحدة من أهم أوراقها في سياق صراعها مع إسرائيل.
الاتجاه الرابع: تشديد الحصار العسكري مقابل الإفراج عن الأسرى
يشهد قطاع غزة حصاراً شاملاً وغير مسبوق، مع منع الحكومة الإسرائيلية دخول أي من المواد الغذائية والوقود والمساعدات الطبية الطارئة إلى داخل القطاع، بالإضافة إلى قطع المياه والكهرباء والاتصالات عن سكان القطاع، وإغلاق المنافذ والمعابر البرية من جهة مصر وغلاف غزة، وهناك احتمال يتعزز حول نية الحكومة الإسرائيلية إطالة أمد الحصار العسكري وتشديده، لإرغام حركة حماس على تسليم الأسرى، ولربما تسليم سلاحها مقابل إدخال المساعدات على اختلاف أنواعها وأصنافها.
ويدعم هذا الاتجاه مجموعة من المعطيات وهي:
1- حذرت إسرائيل للمرة الأولى مصر، بضرب أي شاحنات تحمل مساعدات من معبر رفح إلى قطاع غزة.
2- وجهت إسرائيل ضربتين جويتين إلى معبر رفح خلال 24 ساعة، وأخرجته من الخدمة، وهو المعبر الوحيد المتاح لإدخال الأغذية والأدوية والوقود من البر إلى قطاع غزة.
3- قد يغني الحصار إسرائيل عن المغامرة بالتوغل البري للجيش إلى قطاع غزة، ومواجهتها حرب استنزاف.
4- قد يعكس إجلاء سكان غلاف غزة أن هناك تحضيرات لاعتبارها منطقة عمليات عسكرية طويلة الأمد وبالتالي تحييد قدرة حماس على الاختراق أو فك الحصار أو التلويح باستهداف مستوطنات الغلاف بالصواريخ.
5- تبحث إسرائيل عن إجابات حول قُدرة حركة حماس على تأمين المعدات والأسلحة والإمداد لتنفيذ عملية “طوفان الأقصى” بالرغم من الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، بالإضافة إلى تساؤلات بشأن الكيفية التي خططت بها الحركة وأعدت ودربت عناصرها جواً وبحراً وبراً لتنفيذ العملية.
بالرغم من تلك المعطيات، إلا أن محددات عدة تحكم الأطراف ومنها:
1- أن الحصار الطويل سيفاقم من المعاناة الإنسانية لسكان القطاع وسيعقبه إدانات دولية واسعة ضد الحصار الإسرائيلي، وقد يضر بسمعة إسرائيل على المديين المتوسط والبعيد.
2- قد تخشى مصر من أن يؤدي الحصار إلى مواجهتها موجات نزوح ضخمة من القطاع، وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد حذر من تصفية القضية على حساب بلاده.
3- من المحتمل أن تشهد البلاد العربية ردود فعل على المستويات الشعبية والرسمية ضد الحصار على قطاع غزة.
وفي ضوء ذلك؛ يمكن أن تستخدم إسرائيل مبدأ “خطوة إنسانية مقابل خطوة إنسانية”، كما ذكر وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بحيث تسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، مُقابل تحرير الرهائن الإسرائيليين، وإضعاف قُدرة حماس العسكرية دون الاضطرار للدخول في حرب برية قد تضع الجيش الإسرائيلي وسط عمليات “حرب شوارع”، مع ذلك فإن هكذا خطوة تتطلب وقتاً زمنياً ودعماً دولياً مستمراً لإسرائيل من أجل نجاحها.