الشرق اليوم- كان مأمولاً أن يؤدي إعصار “دانيال” الذي دمّر مدينة درنة الليبية، وأودى بحياة الآلاف من مواطنيها، أن يشكل حافزاً قوياً للمّ الشمل، وإنهاء الانقسام للانطلاق إلى مرحلة جديدة من التوحد السياسي، بين الشرق والغرب الليبيين، ويضع حداً للعنف، والاضطرابات، والفساد، من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية لبدء مرحلة جديدة تطلق عجلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتكرّس الديمقراطية، وتخلّص البلاد من الاحتلالات الأجنبية، والميليشيات المسلحة، والتدخلات الأجنبية.
لكن مع الأسف، لا شيء تحقق، رغم أن الكارثة أكدت الوحدة الشعبية والتضامن بين مختلف المناطق التي هبّت لدعم المدينة المنكوبة، شعوراً من الليبيين بأن ما أصاب درنة أصابهم، حيث جمعتهم المصيبة، وتعالوا على الخلافات، في حين أن هذه الصحوة الوطنية لم تصل إلى أسماع المسؤولين، في شرق ليبيا وغربها، الذين ما زالوا غارقين في خلافاتهم الشخصية، ومصالحهم الذاتية، وارتباطاتهم الخارجية.
فبعدما تمكنت اللجنة (6+6) المشتركة التي تمثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة التي اجتمعت على مدار أسبوعين في مدينة بوزنيقة بالمغرب، من صياغة قوانين انتخابية جديدة، ثمّ أقرّها البرلمان وأحالها إلى المفوضية العليا للانتخابات، تبيّن أن هناك قوى لا تزال تضع شروطاً تعرقل إجراء الانتخابات، وبالتالي تعيق التوصل إلى تسوية. ورغم أن القانون الذي تم إقراره “راعى الاعتبارات والظروف التي تمر بها البلاد، وحقق المساواة في ممارسة العمل السياسي، ولم يقصِ أحداً، ويعتبر أساساً لتوحيد السلطة، ويحق لكل مواطن الترشح، مدنياً أو عسكرياً، ومن لم يفز بالانتخابات يعود لوظيفته السابقة، ويحقق رغبة الليبيين في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية”، إلا أن عراقيل برزت لإفشال هذه الخطوة، حيث أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، في رسالة بعث بها إلى المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، أن ما صدر عن مجلس النواب “مخالف للإعلان الدستوري، ومشوب بعيوب وأخطاء تنحدر إلى درجة الانعدام”.
لكن من الواضح أن هذا الاتفاق لا يحظى بموافقة البعثة الدولية، إذ يرى رئيسها ضرورة استكمال الإطار القانوني للانتخابات “مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات المقدمة من الأطراف الرئيسية في العماية السياسية لجعل القوانين الانتخابية قابلة للتنفيذ”.
بعض أعضاء البرلمان الليبي اتهم البعثة الأممية بعدم الرغبة في دعم الاستفزاز وإجراء الانتخابات، لأنها تسير وفق رؤية الدول المتورطة في المشهد الليبي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة لمصالح نفوذها في الدولة الليبية. واتهم النائب علي الصول البعثة بأنها “لا تزال طرفاً في الأزمة”، ويرى أن “موقف باتيلي يعد تدخلاً في السيادة الليبية، بخلق ذرائع التوافق، وتشكيل حكومة بمشاركة حكومة الدبيبة وترميمها”. في حين يرى سعد بن شرادة عضو المجاس الأعلى للدولة أن “البعثة والمجتمع الدولي ضد أي توافق ليبي- ليبي”.
وسط هذه المناكفات يظل مشهد الكارثة مخيّماً على ليبيا من دون بصيص أمل بالخروج من النفق السياسي.
المصدر: صحيفة الخليج