بقلم: طارق ديلواني- اندبندنت
الشرق اليوم– ما بين القوانين والشعارات، ثمة مزيج يجسد واقع معايير الأمان والسلامة في الأردن داخل الأماكن العامة وحتى في أماكن العمل.
فقد شهدت المملكة حوادث وكوارث مميتة عدة، كان القاسم المشترك فيها غياب معايير السلامة أو ضعفها وعدم تفعيلها. وعلى رغم إلزام السلطات جميع أصحاب العمل بتوفير بيئة عمل آمنة لموظفيهم، لكن لا يتم الالتزام بذلك بشكل صارم، في حين يظل التنفيذ الفعلي لهذه القوانين يمثل تحدياً.
حوادث وكوارث
على سبيل المثال تتكرر حوادث الغرق في السدود والبرك المائية على نحو مقلق، إذ تتحدث إحصاءات مديرية الدفاع المدني الأردنية عن تسجيل 68 حالة وفاة و34 إصابة خلال السنوات الخمس الماضية بسبب حوادث غرق. وبينما تعزو السلطات الأسباب إلى قلة الوعي والتهور، يقول آخرون إن غياب وسائل الوقاية ومعايير السلامة المتهم الرئيس.
وعليه يطالب مراقبون الحكومة بتنفيذ خطة لمنع حالات الغرق وتأمين السلامة المائية، إذ تغيب شاخصات التحذير والحواجز المانعة في هذه الأماكن، فضلاً عن غياب أي دور رقابي.
وفي عام 2018، وقع انفجار في إحدى صوامع ميناء مدينة العقبة جنوب الأردن، نجم عنه مقتل سبعة عمال. وأثبتت التحقيقات في حينه أن سبب الانفجار هو اختلال شروط السلامة العامة في الموقع.
وفي العام الماضي، انهار مبنى سكني على قاطنيه ما أدى إلى مقتل العشرات، وفتحت الحادثة الباب واسعاً لمخاوف من تكرار الحادثة في العاصمة التي تكتظ ببنايات قديمة وآيلة للسقوط، لطالما حذرت منها نقابة المهندسين الأردنيين، داعية لصيانتها وتوفير وسائل الأمان والسلامة العامة حولها.
قبل ذلك حادثة انفجار صهريج غاز الكلورين السام في مدينة العقبة الذي أودى بحياة آخرين أيضاً، وكان السبب مرة أخرى ضعف وسائل السلامة العامة.
قوانين ومعايير
ووسط عدم تيقن مجتمعي لأهمية السلامة العامة، أو كيفية التصرف في حالات الطوارئ، لا تبدو الصورة سوداوية تماماً، فثمة العديد من المؤسسات التي تعمل على تعزيز السلامة، مثل وزارة العمل ومديرية الدفاع المدني. علماً أن هناك قوانين عدة كقانون العمل وقانون السلامة والصحة المهنية، تلزم جميع أصحاب العمل بتقييم أخطار السلامة والصحة المهنية في مكان الشغل واتخاذ الخطوات اللازمة للحد من هذه الأخطار.
كما يلتزم الأردن بمعايير السلامة الدولية، مثل معايير منظمة العمل الدولية (ILO) وشروط المعهد الأميركي للمعايير (ANSI)، ويفكر منذ سنوات باستحداث تخصص جامعي حول السلامة العامة.
لكن أمام ذلك كله يمثل ضعف التنفيذ وعدم تطبيق القوانين والتشريعات المتعلقة بالسلامة بشكل صارم، عائقين كبيرين، مع تسجيل نحو 15 ألف مخالفة لشروط السلامة لمهنية لأصحاب العمل في السنتين الأخيرتين.
حوادث وإصابات
وتقدر المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي عدد حوادث وإصابات العمل التي يتم الإبلاغ عنها سنوياً ما بين 14 إلى 15 ألفاً، ووفق هذه التقديرات هنالك إصابة عمل كل 40 دقيقة وحالة وفاة كل يومين.
ويلزم القانون المنشأة التي يثبت عدم توفيرها لشروط وتدابير السلامة والصحة المهنية بتحمّل جميع تكاليف العناية الطبية للعامل المصاب.
وزاد عدد المخالفات التي تم توجيهها لأصحاب عمل غير ملتزمين بشروط السلامة والصحة المهنية العام الماضي، عن 15 ألف مخالفة، في المقابل يجيز قانون العمل، لصاحب العمل فصل أي عامل في حال عدم التزامه بشروط السلامة والصحة المهنية.
فيما تغيب أدوات السلامة العامة بشكل شبه كامل عن عمال قطاع الإنشاءات في الأردن، وفق المرصد العمالي الأردني، الذي يرصد عشرات حوادث السقوط القاتلة.
ويندر رؤية العمال في الأردن بالأدوات الواقية كالقبعات والنظارات، والقفازات، والسترة، فضلاً عن ضعف التزام إدارات المنشآت بالسلامة والصحة المهنية.
ويعتبر المرصد العمالي أن العقوبات المنصوص عليها في قانون العمل حول السلامة والصحة المهنية غير رادعة لصاحب العمل، الذي لا يوفر تلك المبادئ الأساسية، إذ تتراوح قيمة الغرامات على المخالفين بين 150 – 700 دولار فقط.
مشاهد يومية
يرصد الخبير التنموي محمد الفرجات العديد من المشاهد التي تؤكد غياب معايير السلامة في الأماكن العامة، من بينها رمي أنقاض عمليات البناء إلى جانب الطرقات، وعدم التعامل مع بقايا اليافطات الإعلانية وأعمدة الكهرباء القديمة، فضلاً عن عدم وجود إشارت تحذيرية أو عاكسة في الطرق المنحدرة والخطرة. كما تفتقر المشاريع الإنشائية والحفريات المكشوفة إلى وسائل العزل والحماية وعبارات التحذير.
تقول أمانة العاصمة عمان من جهتها، إنه وفق نظام الأبنية والتنظيم في المدينة، فإن هنالك الكثير من التشريعات لضمان السلامة العامة من بينها على سبيل المثال أن تتوافر في محطات المحروقات شروط السلامة التي تقررها الجهات المختصة كمديرية الدفاع المدني.
وأصدرت الحكومة الأردنية “كودات” البناء الوطني لضمان السلامة العامة وتلافي وقوع الحوادث التي قد يتعرض لها المواطنون او الممتلكات العامة والخاصة، عبر تأمين المرافق الصحية والتهوئة والإنارة وإجراءات النظافة وطريقة التنظيف والتخلص من النفايات، والوقاية من الحرائق ومكافحتها، وتأمين العناية الطبية والتأكد من وجود عيادة أو صندوق إسعافات أولية، فضلاً عن وضع ملصقات حول الممارسات الصحيحة لمنع وقوع الحوادث.
على جانب آخر، تنشط مديرية السلامة العامة والمرورية وشؤون البيئة، والتي تتولى مهاماً عدة من بينها متابعة قضايا التلوث البيئي، وتنظيم التعامل بالمواد الخطرة والمتفجرة، وإعداد خطط الطوارئ السنوية، وتطوير وتحديث قاعدة بيانات بالمواقع والمنشآت الحيوية والحساسة، وتحديد وتشخيص المناطق الخطرة وإحداثياتها مثل مجاري السيول والأودية، ومواقع الانهيارات، والمناطق الأكثر تعرضاً للزلازل.