بقلم: علي حمادة- النهار العربي
الشرق اليوم– من يراقب ارتفاع منسوب التوتر بين الأردن والنظام السوري بشأن تهريب المخدرات والأسلحة والمسلحين من سوريا الى الأردن عبر الحدود، سرعان ما يتذكر الازمة التي اشتعلت بين تركيا والنظام في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد حول مسألة دعم دمشق ل “حزب العمال الكردستاني” PKK بنهاية تسعينات القرن الماضي والتي انتهت باتفاق اضنة الشهير الذي يصادف شهر تشرين الأول )أكتوبر( الحالي ذكرى مرور ربع قرن على التوقيع عليه من قبل تركيا وسوريا.
طبعا الظروف مختلفة، والأسباب مختلفة أيضا، لكن السياقات متشابهة بين حالتي تركيا آنذاك والأردن اليوم. ففي تلك المرحلة كانت تركيا تشكو الضرر على امنها القومي والمتمثل بعمليات كان يقوم بها مسلحو حزب العامل الكردستاني بقيادة عبد الله اوجلان انطلاقاً من الأراضي السورية، واليوم يشكو الأردن من الضرر القائم على امنه القومي من تهريب الكبتاغون والمخدرات والأسلحة والذخائر الى اراضيه انطلاقا من الأراضي السورية. في الحالة الأولى كانت تركيا تتهم سوريا حافظ الاسد بإيواء مسلحي الحزب الكردستاني واقامة معسكرات تدريب وقواعد لهم في سوريا ولبنان. وفي الحالة الثانية تتهم السلطات الأردنية دمشق بشار الأسد بالوقوف مع ميليشيات مذهبية تابعة ل “فيلق القدس” الإيراني خلف انتاج وتصنيع المخدرات من كبنتاغون ومادة الكريستال وغيرها، إضافة الى تنظيم تهريبها (مع أسلحة ومتفجرات) عبر الحدود الى داخل الأردن بمشاركة عصابات إجرامية معروفة. في كلتا الحالتين اعتبرت الدولتان التركية عام 1998 والأردنية عام 2923 ان امنها القومي في خطر.
وللتذكير جرى التوقيع على اتفاق اضنة في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1998، إثر وساطة مصرية إيرانية بعدما قامت تركيا وعلى اثر تزايد عمليات “حزب العمال الكردستاني ” في الداخل التركي انطلاقا من الأراضي السورية. فحشدت انقره قوات عسكرية ضخمة على الجانب الاخر من الحدود مهددة باجتياح الاراضي السورية ومعالجة الامر بنفسها. انتهت الازمة بعد الوساطات الإقليمية باتفاق اضنة الأمني بين البلدين الذي تضمن أربعة بنود رئيسية وملاحق سرية. وشكل الاتفاق تحولا نحو تحسن العلاقات بين البلدين استمر حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011.
يمكن اختصار الاتفاق بأربع نقاط رئيسية: الأولى قبول سوريا التعاون مع تركيا في مكافحة الإرهاب وانهاء دعم حزب العمال الكردستاني بشكل تام وتفكيك بنيته العسكرية في سوريا ولبنان، ومنع مسلحيه من التسلل الى الاراضي التركية. والثانية احتفاظ تركيا بحق الدفاع عن النفس وفي المطالبة بتعويضات عن خسائرها في الأرواح والممتلكات إذا لم توقف سوريا دعمها للحزب المشار اليه. والثالثة وهي الأهم التي اعطت تركيا حق ملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني في الداخل السوري حتى عمق 5 كيلومتر واتخاذ التدابير الآمنة اللازمة اذا تعرض امنها القومي للخطر. والرابعة اعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية (طي صفحة المطالبة بلواء الاسكندرون).
تشكل العودة الى نص اتفاق اضنة مناسبة للتذكير بأزمة سابقة انتهت بمنح تركيا “حقوقاً” لا سابق لها في الداخل السوري، مهدت لاحقا لتدخل أوسع. اما ازمة اليوم والتصعيد الكبير من الجانب الأردني المدعوم ضمنا من الحاضنة العربية، ربما لاحقا من الاميركيين فقد يكون حافزاً للذهاب الى اتفاق بين الأردن وسوريا شبيه باتفاق اضنة، يمنح عمان حقوقا مشابهة للبند الثالث في اتفاق اضنة أي حق الملاحقة والمطاردة الساخنة للقوات الأردنية في الداخل السوري حتى عمق معين. قد يمهد للاتفاق تطور الازمة الأردنية السورية الى حد قيام الأولى بحشد جيشها على الحدود وربما البدء بعمليات عسكرية محدودة داخل الاراضي السورية ضد مواقع العصابات، ومنشآت المخدرات في الجنوب السوري.
فهل نشهد اتفاق اضنة آخر في الجنوب السوري؟