محمد السعيد إدريس
الشرق اليوم- وصف أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، عقب لقائه في واشنطن مع وزيري خارجية اليابان وكوريا الجنوبية، القمة التي كان يجري الإعداد لها بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا، والرئيس الكوري يون سوك يول، في كامب ديفيد (18-08-2023) بأنها تدشن “عصراً جديداً” من التعاون الثلاثي. ولم يتوقف الأمر عند حدود هذا التوصيف، فقد تعامل معها كثير من المراقبين باعتبارها، أي تلك القمة الثلاثية، تاريخية، وأنها تجيء لتكمل الجهود الأمريكية لاحتواء القوة الصينية في منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، لأنها تعزز تكتل “كواد” الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة مع كل من أستراليا والهند واليابان. وبذلك تكون الولايات المتحدة استطاعت أن تؤسس “قوساً استراتيجياً” يحيط بمنطقة جنوب شرق آسيا لمواجهة خطر التهديدات الصينية.
وقبل أن تعقد القمة الثلاثية الأمريكية – اليابانية – الكورية الجنوبية، التي استضافها بايدن، في منتجع كامب ديفيد، بالقرب من واشنطن، كانت الإدارة الأمريكية انخرطت في تحالفات أخرى فرعية في المنطقة نفسها، ابتداء من الفلبين، ثم إندونيسيا، وأخيراً فيتنام التي، بسببها، غادر الرئيس الأمريكي قمة العشرين قبل أن تكتمل بيوم واحد، إلى العاصمة الفيتنامية هانوي، ليؤسس لعهد جديد من الشراكة الاستراتيجية، حيث نقلت وكالة “رويترز” معلومات تفيد بأن الإدارة الأمريكية تجري محادثات حول اتفاق لأضخم عملية نقل أسلحة في التاريخ بين الخصمين السابقين إبان الحرب الباردة، وهو اتفاق قد يؤدي إلى “إغضاب الصين”، ما يعنى أن الهاجس الصيني هو الدافع الأساسي لهذا التوجه الأمريكي، وهو ذاته الدافع وراء إعلان وزير الدفاع الأمريكي تأييد بلاده تحديث الجيش الإندونيسي (25/8/2023)، تعليقاً على مشاركة من مشاة البحرية الأمريكية “المارينز”، في مناورات مشتركة مع القوات الأسترالية والفلبينية، لمحاكاة استعادة جزيرة استولت عليها قوات معادية على الساحل الشمالي الغربي للفلبين، قبالة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
لم يكتف بايدن بهذه الشراكات مع دول جنوب شرق آسيا، ولكنه اتجه أيضاً إلى تأسيس تحالفات جديدة مع جزر المحيط الهادي. وكانت البداية في أحدث قمم بايدن بهذا الخصوص. فقد رتبت الإدارة الأمريكية لقمة للرئيس بايدن يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين (25- 26 أيلول الجاري) مع زعماء دول جزر المحيط الهادي، باستثناء رئيس وزراء دولة جزر سليمان، الحليف الوثيق لبكين، والتي وقعت في إبريل/ نيسان الماضي، اتفاقاً أمنياً مع الصين أثار غضب واشنطن.
شارك في هذه القمة عدة دول وجزر منتشرة عبر المحيط الهادي، من أستراليا إلى أرخبيلات ذات كثافة سكانية منخفضة، ودول صغيرة، بهدف تعزيز الوجود العسكري والنفوذ السياسي الأمريكي في هذه المنطقة من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية وتعزيز التعاون البحري، وتجديد اتفاقيات شراكة أبرزها مع “جزر مارشال” التي تنتهى بحلول يوم غد السبت، إضافة إلى إبرام اتفاقيات مماثلة مع دولة “ميكرونيزيا”، وأرخبيل “بالاو”، والهدف من كل ذلك إغلاق كل الثغرات أمام الصين في منطقة المحيطين الهادي والهندي التي هي محور الصراع الأمريكي – الصيني.
وعلى الرغم من كل محاولات الإدارة الأمريكية إظهار الحرص على عدم التصعيد مع الصين، خاصة وزير الخارجية بلينكن في لقائه مؤخراً، مع نائب الرئيس الصيني في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث دعا إلى إدارة التوترات مع الصين “بمسؤولية”، لكن جوهر الاستراتيجية الأمريكية هي التعامل مع الصين “كعدو استراتيجي”، وهذا يدفع الولايات المتحدة إلى إظهار الجدية الصارمة في التعامل معها بخصوص قضيتين، الأولى هي قضية تايوان، والثانية هي قضية بحر الصين الجنوبي، التي تحولت إلى قضية ساخنة بين واشنطن وبكين عقب مواجهة قوات خفر السواحل الصينية مع قارب إمدادات عسكري فلبيني.
هذه الشراكات والاتفاقيات العسكرية الأمريكية مع دول منطقة المحيطين الهادئ والهندي، رغم كل أهميتها إلا أنها مهددة من الداخل، وفي مقدمتها الاتفاق الثلاثي الجديد الأمريكي- الياباني- الكوري الجنوبي، بسبب الخلافات التاريخية العميقة بين اليابان وكوريا الجنوبية، وبسبب احتمال تغيّر القيادة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا ما تراهن عليه الصين.