بقلم: إيمان شويخ- النهار العربي
الشرق اليوم– هي عبقرية سياسية وحنكة في فن السياسة التي لا ينجح فيها العلم فقط، والدليل هو تطبيق الأنظمة السياسية كنظريات في علم السياسة وفشلها في بلدان كثيرة، لا بل تحوّلها إلى صراعات وحروب، والأمثلة كثيرة، من سوريا ولبنان إلى العراق وصولًا إلى السودان وغيرها. أمّا الدهاء السياسي الذي نتحدث عنه، فهو ينتمي لمدرسة الشيخ زايد آل نهيان، والتي تصلح لأن تكون علماً بحدّ ذاته يُدرّس ويُطبّق لتعميم التجربة الإماراتية الهادئة منذ التأسيس.
لقد أثبتت الدول التي تتغنّى بالديموقراطية أنّها مجرّد شعارات فارغة لم تجلب إلاّ المزيد من التطرّف والإرهاب، بخاصة في الدول الغربية، وما “الربيع العربي” سوى تأكيد لما نقول، وهو الذي شرّع الأبواب لكل أشكال الإرهاب وزاد الطائفية والصراعات الأيديولوجية والعرقية والمذهبية، وصارت حمامات الدماء تتصدّر عناوين نشرات الأخبار والصحف، وكل ذلك تحت شعارات واهية وزائفة. أما حين تتحدث عن فيدرالية أو لامركزية، فتعلو الأصوات التي تحذّر من التقسيم، في بلدان مقسّمة تحت الطاولة ولكنها تظهر بلباس الوحدة الوطنية أمام العلن.
وسط كل هذه الصراعات سطع نظام الإمارات الاتحادي، الذي لو حذت هذه الدول حذوه لاختصرت على نفسها وشعوبها الكثير من الدماء والأموال، ولانتقلت إلى نادي الدول المتقدّمة التي تؤمّن لشعوبها الحدّ الأدنى من الاستقرار.
تتمتّع كل إمارة من دولة الإمارات العربية المتحدة بوجود هدف محدّد تضطلع خلاله بدورٍ أساسي لتحقيقه، بما يساهم في الوصول إلى الهدف الأساس، وهو بقاء الاتحاد وتماسكه، أما مقرّ الحكومة الاتحادية، فهي إمارة أبو ظبي، كما يضمّ الاتحاد، أي دولة الإمارات، وزارتين مركزيتين هما الدفاع والشؤون الخارجية، إلاّ أنّ كل إمارة مستقلة في شؤونها الداخلية.
هو نموذجٌ في الحكم الرشيد والفعالية والتنمية، يسود فيه انتظام السلطات وتوزيع الصلاحيات بين الإمارات، مع قيام إمارة أبو ظبي بالدور الرائد في قيادة الدولة ونهضتها، تيسر لدولة الإمارات العربية المتحدة مع المؤسس الشيخ زايد قيادة حكيمة قامت بتطويرها وركّزت أسس الحداثة فيها، عبر تجربة لا سابق لها، من مشاريع الإعمار واستغلال الموارد وأمن الطاقة، إلى الحكومة الإلكترونية والقفزات السياحية الكبيرة والوجود على مفاصل الممرات والترانزيت. كما سجّلت دولة الإمارات اليوم إنجازاً كبيراً، تمثّل في تحقيق أطول مهمّة في الفضاء في تاريخ العرب، استغرقت 6 أشهر، وقام بها رائد الفضاء سلطان النيادي، الذي أجرى تجارب وأبحاثاً تعود بالنفع على البشرية في كل أنحاء العالم.
دولة الإمارات باتت من الوجهات الأولى عالمياً على مختلف الصعد، ومع الوجود العالمي المتنوع فيها ومع دورها الدولي والإقليمي، يمكن أن نعتبر الإمارات العربية المتحدة المجسّم المصغر لعالم اليوم.
والسؤال المطروح، إلى أي مدى يمكن للدول التي تشهد صراعاً مناطقياً مثل لبنان، ومناداةً بالفيدرالية أو حرباً لتقاسم البلد مثل السودان وروسيا وأوكرانيا، أن تنجح لو طبّقت نظاماً سياسياً اتحادياً كالنظام الإماراتي؟
النظام الاتحادي الفيدرالي في الإمارات واحدٌ من نحو 30 نظاما فيدرالياً في العالم، من بينها أميركا وروسيا وألمانيا وسويسرا وماليزيا… وهي من بين أكثر النظم استقراراً.
وفي حين أنّ النموذج الاتحادي في الإمارات مصدر مهمّ من مصادر استقرار وازدهار هذا البلد العربي، لكنّه ليس من السهل تفكيك نظام سياسي وحدوي إلى نظام فيدرالي. ففي لبنان مثلًا هذا التحوّل يتطلّب تغييراً دستورياً، وهو أمر غاية في الصعوبة في ظلّ نظام طائفي لم يجلب سوى الويلات للشعب اللبناني. لكن ما يمكن تطبيقه لمثل هكذا نظام، هو نظام لامركزي يعطي الاستقلال النسبي لمحافظاته وبلدياته لتسيير شؤونها المحلية، بعيداً من السلطة أي الحكومة المركزية.
ويبقى الأهم من النظام، هو من يقوده ويطبّقه بإخلاصٍ ووطنية. فالشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، يعمل بهدوءٍ جعل من بلده عملاقاً اقتصادياً ومركزاً للقرار السياسي والديبلوماسي، ومثالًا يجب أن تحذو حذوه الدول ذات الأنظمة الفاشلة، للخروج من أزماتها اللامتناهية.