بقلم:عبد الوهاب بدرخان- الاتحاد
الشرق اليوم– يجتمع زعماء العالم في موسمهم السنوي، خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويشتكون من الوضع السيئ الذي آلت إليه الأسرة الدولية، ويقولون كلّ ما تجمّع لديهم من مآخذ على مسالك السياسات التي لا تنفكّ تعرّض الأمن والسلام العالميين للمخاطر، بالأخصّ في ما يتعلّق بتحقيق أهداف أجندة التنمية المستدامة المتّفق عليها منذ عام 2015، وبإصلاح مجلس الأمن في اتجاه استعادة العدالة والتوازن على المستوى الدولي. وُجّهت كالعادة انتقادات شديدة لـ«حق النقض» (الفيتو) الذي تحتكره الدول الخمس الكبرى وأدّى عملياً إلى شلّ فاعلية المنظمة الدولية في الأزمات الحادة والخطيرة، أي عندما تمسّ الحاجة إلى دورها.
وكان واضحاً هذه السنة أن الحرب في أوكرانيا ما تزال تشغل المجتمع الدولي رغم اعتياده عليها واستسلامه إلى كونها باتت مفتوحة وستطول. لذا كان لافتاً أن يطالب الرئيس الأوكراني بتجاوز «الفيتو» عبر «سلطة حقيقية» للجمعية العامة، وأن يردّ عليه وزير الخارجية الروسي بأن «حق النقض» مُنح للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن كـ«أداة قانونية مشروعة».
لكن الدول المطالِبة بالإصلاح دأبت على التذكير، ومعها الأمانة العامة للأمم المتحدة، بأن المفاهيم التي تأسست عليها المنظمة الدولية وميثاقها باتت بحاجة إلى مراجعة، إما لأنها أخذت آنذاك بموازين القوى المنبثقة من الحرب العالمية الثانية عام 1945 لكن الحقائق الجيوسياسية تغيّرت، أو لأن الوظيفة التي اضطلع بها مجلس الأمن اختلّت مع الوقت بعدما فشل في تطبيق مبادئ الميثاق وفي التعامل مع حروب وأزمات عديدة، بدءاً من الحرب الباردة وحرب فيتنام مثلاً، وصولاً إلى الصراع العربي الإسرائيلي والأزمة السورية وغيرها الكثير. وكما هو معلوم فثمة مفاوضات جارية منذ أعوام حول الإصلاح المنشود لمجلس الأمن، وأبرز البنود توسيع عضويته ليضم دولاً عديدة طامحة لأن تكون من الأعضاء الدائمين.
غير أن الخلافات مستمرة في شأن المعايير وآليات العمل واتخاذ القرارات والتزامها، وكذلك بالنسبة لحق «الفيتو» الذي بات معضلة حقيقية، ذلك أن الدول المتمتعة به لا تريد المسّ به أو إلغاءَه. وعلى أي حال ينبغي أن يحظى أي إصلاح أولاً بموافقة ثلثي الـ193 عضواً في الجمعية العامة، ثم بموافقة دول «الفيتو» التي ستحرص كلٌّ منها على التحكّم بأي معادلة مستجدّة. أي أن الأمر يكاد يشبه الحلقة المفرغة، ولذا توصّل بعض المحللين المتابعين للملف إلى استنتاجين فحواهما أن الإصلاح صعب المنال بالمعطيات الحالية، وأن العالم بحاجة إلى منظمة أممية مختلفة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. من هنا تساؤلهم أنه إذا كانت المنظمة الحالية جاءت بعد حرب عالمية وقامت بدورها قدر المستطاع، فهل تتطلّب المنظمة المنشودة حرباً عالمية أخرى؟
لا شك في أن الإصلاح مطلوب ليس للتمثيل العادل للدول فحسب، بل خصوصاً لتعزيز أولوية أهداف التنمية المستدامة كمكافحة الجوع والفقر المدقع وتداعيات التغيّر المناخي، كذلك لمعالجة أزمات الغذاء والمياه والطاقة.
ومن أجل هذه الأولوية لا بدّ من تغيير جذري في السياسات، خصوصاً تلك التي تنتهجها الدول الكبرى، وهو ما لا يبدو متاحاً، رغم أن هذه الدول مدركة أن الاستثمار في تنمية الدول النامية من شأنه أن يرتد إيجاباً على الجانبين. ويبقى السؤال: هل الظروف ملائمة لإصلاح الأمم المتحدة؟ لأن الحاجة ملحّة لدورها الاستشرافي للكوارث الطبيعية والاستعداد لمواجهتها، ولتنقية الأجواء الدولية الملبّدة بـ«محاور» تذكّر بمقدمات الحروب الكبرى.