الرئيسية / مقالات رأي / الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيات الخالقة للثروة

الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيات الخالقة للثروة

بقلم: عمرو حلمى- المصري اليوم
الشرق اليوم– يُعتبر مصطلح «الدول المتقدمة علميًّا وتكنولوجيًّا» وليس مجرد «الدول الصناعية» هو المصطلح الأنسب لوصف حالة مجموعة من الدول، التي نجحت في الارتقاء بمجمل أوضاعها الاقتصادية، بعد أن أدركت أن المكانة الدولية تتحدد وفقًا لمجموعة من العوامل، منها القدرة على إنتاج وتطوير ما يُعرف بالتكنولوجيات الخمس «الخالقة للثروة»، وهى: تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والنقل IT&T، وتكنولوجيا المواد، والتكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيات المتصلة بالذكاء الاصطناعى AI.. وينطبق ذلك على دول مجموعة الـG.7 وعلى الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ال OECD ومجموعة G.20، ويتضح ذلك بصورة جلية مما يعرف «بمؤشر الابتكار العالمى» أو الـ Global Innovation Index GII الذي تصدره سنويًا منظمة الأمم المتحدة للملكية الفكرية WIPO وما يشمله من حصيلة عن تطور الأداء Performance Scores، والذى يعكس إسهام مختلف الدول في التطور العلمى والتكنولوجى.
ومن الملاحظ أنه بعد أن كانت «الأرض» أهم عامل من عوامل الإنتاج في الاقتصاد الزراعى، وبعد أن كانت «المواد الأولية» أهم عامل من عوامل الإنتاج في الاقتصاد الصناعى التقليدى، أصبحت «المعرفة» أهم عامل من عوامل الإنتاج في الاقتصاد الحديث، الذي تتمثل مدخلاته في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM، في حين تتمثل أهم مخرجاته في الجينات والروبوتات والإنترنت وتكنولوجيا النانو والذكاء االاصطناعى GRIN+AI، فالاقتصاد القائم على المعرفة أو الـ Knowledge Based Economy (KBE) تتحدد فيه المزايا التنافسية وفقًا لمدخلات «علمية» تختلف تمامًا عن المزايا النسبية التي يتسم بها الاقتصاد التقليدى، والتى تدخل في إطارها المواد الخام واليد العاملة، ففى عالم اليوم الذي يتغير بوتيرة غير مسبوقة بفضل العلم واكتشافاته هناك نوعان من الصناعات.. وهما الصناعات التي يُطلق عليها الـ Sunrise،Indestries وتتعلق بإنتاج وتطوير كافة التكنولوجيات الخمس الخالقة للثروة، ومنها الحاسبات الآلية ونظم المعلومات والاتصالات فائقة التطور ووسائل النقل على تنوعها والصناعات التحويلية والبتروكيماويات والصناعات الصيدلانية والصناعات الخاصة بإنتاج الطاقة النظيفة، بما في ذلك الطاقة النووية وأنظمة التسلح وكل ما يتعلق بصحة الإنسان وزيادة إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية وزيادة كفاءة استخدام المياه والطاقة.. ويتمثل النوع الثانى فيما يُعرف بصناعات الـ Sunset Industries، وتتعلق بالصناعات كثيفة العمالة والملوثة للبيئة كصناعة الأسمنت والورق والألومنيوم والمنسوجات والملابس وبعض نوعيات الصناعات الغذائية والتقليدية، وهى صناعات تتراجع قيمتها في إجمالى قيمة التبادل التجارى للعديد من الدول.

ويبدو أن العالم قد بدأ بالفعل الدخول في مرحلة جديدة يمكن أن تقلب مجددًا كافة مظاهر الحياة رأسًا على عقب، وذلك مع تغلغل الذكاء الاصطناعى الـ Artificial Intelligence AI في العديد من القطاعات والأنشطة والمجالات الحيوية، بحيث أصبح الـAI يحظى بأهمية متزايدة في نطاق عمل مراكز الأبحاث العلمية الحكومية والخاصة، وكذلك في البرامج التي تهدف إلى تعزيز الريادة ضمن سباق التقدم وجهود صناعة المستقبل، وليس من قبيل المنطق رفض مقولة الرئيس الروسى Putin حول أن مَن سيمتلك القدرة على أحدث االاختراقات الجوهرية في تطوير الذكاء الاصطناعى سيستطيع السيطرة على العالم whoever reaches a breakthrough in developing artificial intelligence will come to dominate the world، فالذكاء الاصطناعى يُقصد به القدرة على محاكاة الذكاء البشرى بواسطة أجهزة الكمبيوتر والروبوتات والبرمجيات، وهو مجال واسع من علوم الحاسبات التي يمكنها التفكير والتعلم والتصرف بطريقة مستقلة، كانت مقصورة على البشر، ويدخل في إطاره العديد من التخصصات، التي تشمل أيضًا تحليل البيانات والإحصائيات وهندسة الأجهزة والبرمجيات واللغويات وإدارة الأزمات والفلسفة وحتى علم النفس، وقد أثار النجاح الذي تحقق في التوصل إلى مُعَدات وتكنولوجيات قادرة على التعلم والتطور ذاتيًّا والقيام بمهام دون تدخل إنسانى- إلى الدرجة التي تُمكِّنها من كتابة الأبحاث والمقالات وتأليف المقطوعات الموسيقية والقيام بأعمال فنية في مجالات الرسم والنحت وتقليد الأصوات والقيام بأعمال الترجمة الفورية والتفكير العميق بدقة وكفاءة وقيادة المركبات ذاتيًّا دون تدخل إنسانى أو بشرى- إلى إثارة العديد من المخاوف من خروج الأمور عن نطاق السيطرة، خاصة إذا تم توظيف الـAI في المجالات العسكرية وإنتاج أنظمة التسلح وفى كسر الشفرات والتغلب على أنظمة الأمن السيبرانى الـCyber security أو في نشر المعلومات المُضلِّلة وتصعيد خطاب الكراهية والنفاذ إلى خصوصيات الإنسان ومحاولة التحكم في مشاعره.


وعلى الرغم من الآراء التي تركز على أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يساعد البشرية على حل بعض أكبر وأصعب مشاكلها، وأنه سوف يفعل ذلك بطريقة محددة للغاية من خلال تسريع وتيرة الاكتشافات العلمية، خاصة في مجالات مثل الطب وعلوم المناخ والتكنولوجيا الخضراء، وأنه يمكن أن يحفز التقدم العلمى ويؤدى إلى عصر ذهبى من الاكتشافات، فإن تلك الآراء تقابلها آراء أخرى، إذ حذر Bill Gates وغيره من قادة الشركات التكنولوجية من أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يشكل خطرًا وجوديًّا، الأمر الذي يتطلب ضرورة النظر في وضع قواعد حاكمة له، كما ذهب Yuval Noah Harari إلى حد القول إن الذكاء الاصطناعى يمكن أن ينهى سيطرة الإنسان على مقدراته، إذ شبه الذكاء الاصطناعى بالكائنات الفضائية، التي يمكن أن تؤدى إلى انقراض البشرية، ويبدو أن العديد من الدوائر العالمية تتزايد مخاوفها من تداعيات دخول الذكاء الاصطناعى إلى مجالات تهدد الأمن القومى، حيث عقد الرئيس بايدن عددًا من الاجتماعات حول الذكاء الاصطناعى مع قادة الـSilicon Valley وعقدت لجان الكونجرس ما لا يقل عن ١٠ جلسات استماع حول هذا الموضوع، كما أكد سكرتير عام الأمم المتحدة Antonio Guterres أنه سيعين هيئة استشارية علمية تضم خبراء خارجيين في مجال الذكاء الاصطناعى وأنه منفتح على فكرة إنشاء وكالة جديدة تابعة للأمم المتحدة، وأنه سيؤيد فكرة أن تكون لدينا وكالة للذكاء الاصطناعى مستوحاة مما هي عليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ إن هناك مخاوف متزايدة بشأن قوة الذكاء الاصطناعى وكيف يمكن إساءة استخدامه لأغراض سلبية، وحتى مميتة، خاصة أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يصبح أقوى أسلحة القرن، الأمر الذي يُحتم التحرك نحو وضع قواعد حاكمة له، وبعد أن طرحت بريطانيا موضوع الذكاء الاصطناعى على مجلس الأمن، في يوليو الماضى، تستعد لندن لاستضافة قمة الذكاء الاصطناعى في نوفمبر القادم، إذ يبدو جلِيًّا أن العديد من الدوائر العالمية تتحرك من أجل مواجهة المخاطر المتوقعة من الذكاء الاصطناعى مع محاولة كبح جماح خروجه عن السيطرة، ومن المتوقع أن يتواصل الاهتمام بتلك القضية على كافة الأصعدة خلال المرحلة المقبلة، خاصة أن سكرتير عام الأمم المتحدة يأمل في التوصل إلى «مدونة للسلوك» قبل انعقاد قمة المستقبل Summit of the Future في سبتمبر ٢٠٢٤

المصدر: المصري اليوم

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …