الشرق اليوم- في ظل ما أرسلته الهند، أكبر مصدر للرز، من موجات صادمة إلى السوق العالمية منذ حظر تصديرها الرز الأبيض في يوليو الماضي وضريبة التصدير اللاحقة في أغسطس، تحول المستوردون العالميون إلى ثاني وثالث أكبر الموردين تايلاند وفيتنام، مما أسفر عن ارتفاع أسعار صادراتهم إلى أعلى المستويات منذ عام 2008.
أصبح غياب الرز الأبيض الهندي عن السوق العالمية أكثر أهمية الآن مما كان عليه قبل 15 عاماً، ففي 2008 ارتفعت الأسعار بعدما فرضت الهند (التي كانت آنذاك ثاني أكبر مصدر) حظراً على صادرات الرز، وبعد رفع الحظر عام 2011 وسّعت نيودلهي صادراتها وأصبحت أكبر مصدر في العام التالي، لتحافظ على هذا الوضع منذ ذلك الحين، وصولاً إلى عام 2022، إذ استحوذت وحدها على نحو 40 في المئة من تجارة الرز العالمية بصادرات زادت قليلاً على صادرات المصدرين الأربعة الآخرين مجتمعين.
وفق تقرير حديث لوزارة الزراعة الأمريكية، كانت الهند دائماً المورد الأقل سعراً للرز الأبيض منذ عام 2020، بخاصة إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، لكن يتوقع الآن أن يؤثر الارتفاع الحاد في أسعار الرز، خصوصاً في هذه المنطقة التي تعتمد على الاستيراد.
الهند من مستورد إلى مصدر
وتحولت الهند من مستورد صاف للرز خلال ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي إلى أكبر مصدر في العالم خلال الأعوام الأخيرة بفضل تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول نهاية السبعينيات، وتصبح ثاني أكبر منتج بعد الصين وبينما تستهلك الأخيرة غالبية إنتاجها، فإن الهند تحولت إلى مصدر صاف للرز منذ 2010 بإجمالي صادرات 22.3 مليون طن العام الماضي.
قبل الحظر الهندي، كانت الأسعار العالمية ترتفع بالفعل بسبب الطلب القوي من المستوردين وانخفاض الإنتاج في بلدان مصدرة عدة، وكانت إندونيسيا مستورداً صغيراً خلال الأعوام الماضية، لكن من المقرر أن تضاعف وارداتها في 2023 بعدما سمحت الحكومة باستيراد مليوني طن، فيما تايلاند وفيتنام هما الموردان الرئيسان لهذه السوق لذلك كان الطلب على صادراتهما مرتفعاً بالفعل، لكن مع محدودية الإمدادات القابلة للتصدير من هذين البلدين، من المتوقع أن تصل المخزونات إلى أدنى مستوى لها منذ أعوام عدة.
ويشير تقرير وزارة الزراعة الأميركية الصادر في سبتمبر الجاري إلى إنتاج أقل لدى باكستان وبورما، وعلى رغم الزيادة القوية في أسعار التصدير، إلا أن الأسعار لم تصل إلى الأرقام القياسية لعام 2008 لأسباب عدة، إذ حظرت الهند في هذه السنة تصدير الرز الأبيض والمسلوق بينما تسمح حالياً بتصدير الأخير وإن كان ذلك بضريبة قدرها 20 في المئة، وقدمت بعض الاستثناءات الصغيرة من حكومة إلى أخرى في شأن حظر الرز الأبيض حتى الآن، وخلال العام نفسه حظرت فيتنام، ثالث أكبر مصدر، المبيعات الجديدة موقتاً، مما شكّل سبباً رئيساً لمزيد من الارتفاع في الأسعار التايلاندية، لكن في 2023 واصلت فيتنام التصدير ولم تحظر صادرات الرز كما هي الحال مع الهند.
وعام 2008، اشترت الفيليبين، أكبر مستورد، كميات أكبر بشكل مستمر مع تصاعد الأسعار، بينما تؤجل اليوم عمليات الشراء في انتظار انخفاض الأسعار.
إنتاج أقل في 2024
ويتوقع تقرير الوزارة الأمريكية انخفاض إنتاج الرز العالمي خلال موسم 2023-2024 إلى 518 مليون طن بتراجع عن التقديرات السابقة في أغسطس الماضي حين سجلت 520.9 مليون طن، مع إنتاج أقل في الهند وبنغلاديش وبورما وتايلاند، ومن المرجح أن يهبط الاستهلاك العالمي وكذلك الأمر بالنسبة إلى واردات الصين وغانا ونيجيريا، ويلفت التقرير إلى ارتفاع الإنتاج العالمي في موسم 2022- 2023 بشكل طفيف مع زيادة المحصول في تايلاند، علماً أن هذا الموسم شهد ارتفاعاً في الاستهلاك العالمي بشكل ملحوظ وقامت خلاله الهند بتعويض تدني الإنتاج في تايلاند والولايات المتحدة وفيتنام، لكن اليوم تراجعت الصادرات في أعقاب الحظر المفروض على الرز الأبيض غير البسمتي في الهند وتباطؤ وتيرة الصادرات في بورما.
وظلت أسعار التصدير الأمريكية عند 760 دولاراً للطن خلال الشهر الماضي، في حين ارتفعت أسعار أوروغواي بمقدار 45 دولاراً إلى 680 دولاراً للطن نتيجة للطلب القوي وتناقص الإمدادات، وانخفضت الأسعار التايلاندية بمقدار 13 دولاراً لتصل إلى 643 دولاراً للطن، إذ أحجم المشترون التقليديون عن الشراء في انتظار تراجع الأسعار، وارتفعت الأسعار الفيتنامية بمقدار 31 دولاراً إلى 643 دولاراً، وقفزت الأسعار الباكستانية بمقدار 45 دولاراً إلى 610 دولارات بسبب الطلب القوي عقب قيود التصدير الهندية.
الإنتاج والاستهلاك
بنظرة أدق إلى أرقام الإنتاج والاستهلاك لدى دول عدة في التقرير الأميركي، يتبين أن إنتاج الصين ارتفع من 146.7 مليون طن في موسم 2019-2020 إلى 149 مليون طن في توقعات موسم 2023-2024، لكن الصين التي تسبق الهند من حيث الإنتاج تستهلك معظم إنتاجها، مما يجعل نيودلهي صاحبة الصادرات الأكبر عالمياً، بينما تأتي بنغلاديش في المركز الثالث من حيث الإنتاج خلال موسم 2023-2024 بنحو 36.4 مليون طن، ثم إندونيسيا بإنتاج 34.4 مليون طن وفيتنام بـ27 مليوناً، وتايلاند 19.5 مليون، والفيليبين بنحو 12.6 مليون طن، وبورما 12 مليوناً، وباكستان 9 ملايين طن، وتبرز مصر في القائمة بإنتاج متوقع هذا الموسم يقارب 3.7 مليون طن انخفاضاً من 4.5 مليون طن في موسم 2019-2020.
في المقابل، ستستهلك الصين ما يزيد على إنتاجها بإجمال 152 مليون طن خلال موسم 2023-2024، وفق قراءة سبتمبر ضمن التقرير الأميركي، بينما ستستهلك الهند 115.5 مليون طن، ثم بنغلاديش 37.7 مليون طن وإندونيسيا 35.2 مليون طن و21.3 مليون استهلاكاً في فيتنام و16.4 مليون في الفيليبين و12.5 مليون طن في تايلاند و10.2 مليون طن من الرز المستهلك في بورما، بينما يرجح ارتفاع استهلاك مصر في موسم 2023-2024 عن الإنتاج المتوقع إلى 4.1 ملايين طن.
وتبرز منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، أكبر منطقة في العالم من حيث استهلاك الرز هذا الموسم، بإجمال 15.4 مليون طن، ثم منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الثانية بإجمال 7.9 مليون طن، ثم جنوب شرقي آسيا في المركز الثالث بـ7.6 مليون طن وشرق آسيا في المرتبة الرابعة بـ5.19 مليون طن وأمريكا الشمالية بحصة استهلاك تبلغ 2.7 مليون طن.
المصدر: اندبندنت