بقلم: سعيد الحاج- الجزيرة
الشرق اليوم- بعد جدل طويل داخل أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، أعلن رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال ترشحه لرئاسة الحزب في المؤتمر العام القادم، فاتحا الباب لإمكانية تغيير رئيس الحزب الحالي وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
لطالما واجه رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو معارضة داخلية منذ تسلمه رئاسة الحزب عام 2010، وكان المسوغ الأكبر لها هو خساراته المتكررة أمام الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها. لاحقا، استخدم كليجدار أوغلو الانتخابات نفسها للتخلص من منتقده الأكبر ومنافسه الأبرز داخل الحزب محرم إينجه، فرشحه للانتخابات الرئاسية ليخسر أمام أردوغان عام 2018، فسحب من يده بطاقة “الخسارة أمام أردوغان”، ودفعه لمعركة صفرية معه دفعته للاستقالة ثم تأسيس حزب البلد.
رفعت المعارضة التركية -بقيادة كليجدار أوغلو- سقف التوقعات كثيرا قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، زاعمة أنها قادرة على الفوز برئاسة البلاد، وكذلك أغلبية مقاعد البرلمان لتغيير النظام السياسي والعودة به للنظام البرلماني، وبدا كليجدار أوغلو واثقا من الفوز بالرئاسة لدرجة أنه “ودّع” كتلة حزبه البرلمانية قبيل الانتخابات من باب أنه “الخطاب الأخير” له من ذاك المنبر بوصفه رئيسا للحزب.
بيد أن الخسارة المزدوجة في الرئاسة والبرلمان كان لها ثمن ينبغي أن يُدفع، وتوجهت معظم السهام لزعيم المعارضة ورئيس حزبها الأكبر بطبيعة الحال، خصوصا أن هناك في حزبه من لم يكن راضيا عن تحالفاته، وهناك بين الأحزاب المتحالفة معه من لم يكن راغبا في ترشحه للرئاسة أو تحالفه لاحقا مع حزب النصر اليميني المتطرف وتبنيه خطابا معاديا للاجئين.
معارضة داخلية وانتقاد خارجي
لذلك، فقد وُوجه كليجدار أوغلو بنقد حاد من الأحزاب الخمسة الأخرى في الطاولة السداسية المعارضة، وفي مقدمتها الحزب الجيد الذي كان معترضا علنا على أن يكون هو المرشح التوافقي للمعارضة لأنه “ليس المرشح القادر على الفوز” في الانتخابات الرئاسية، لكن المعارضة الأبرز التي واجهها الرجل كانت داخل حزبه.
كثر معارضو الرجل بين قيادات حزبه، وتقدمهم رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو الذي كان راغبا بالترشح للرئاسة قبل أن يفرض رئيس حزبه ترشحه بما يمتلكه من صلاحيات وأوراق قوة. وتجمع خلف إمام أوغلو عدد من القيادات السابقة والحالية التي طالب بعضها بـ”التجديد”، وبعضها الآخر طالب بشكل أوضح وأكثر مباشرة بـ”التغيير” في رئاسة الحزب. ولمدة ليست بالبسيطة كان الظن أن يرشح إمام أوغلو نفسه في مواجهة كليجدار أوغلو في المؤتمر العام القادم للحزب، إلا أنه أعلن مؤخرا نيته الترشح مرة أخرى لرئاسة بلدية إسطنبول، مشيدا برئيس الكتلة البرلمانية للحزب أوزغور أوزال، الأمر الذي أوحى بإمكانية ترشح الأخير للمنافسة، وهو ما كان.
رفض كليجدار أوغلو المطالبات بالاستقالة، وشبّه نفسه بالربان الذي ينبغي ألا يتوقف قبل أن يصل بالسفينة لبر الأمان، لكنه أكد ضرورة التغيير في قيادة الحزب مغيرا معظم أعضاء لجنته المركزية، لا سيما مؤيدي إمام أوغلو منهم، وهو ما زاد من عدد المعارضين له والمطالبين باستقالته.
معركة صعبة
قانونيا، لم يكن التيار المطالب بالتغيير يملك إجبار رئيس الحزب على الاستقالة، بل كان هدفه زيادة الضغوط عليه ليقدمها من طوع نفسه. ولذلك، فقد أجّل ثبات كليجدار أوغلو حسم هذه المعركة حتى المؤتمر العام للحزب الذي يتوقع عقده الشهر المقبل أو الذي يليه.
حتى اللحظة، ليس ثمة منافس قوي وحقيقي لكليجدار أوغلو في المؤتمر العام سوى أوزغور أوزال الذي كان يعدُّ من مؤيدي رئيس الحزب تقليديا، وكان ضد المطالبات باستقالته بعد الانتخابات مباشرة، قبل أن ينضم لإمام أوغلو مع التمايز قليلا في خطابه، إذ كان يركز على فكرة التجديد في الحزب، وليس بالضرورة تغيير قيادته.
أربعة سيناريوهات
ولأن اختيار رئيس الحزب يقع على عاتق أعضاء المؤتمر العام الذين يأتي معظمهم من تنظيم الحزب وفروعه في مختلف المحافظات والمدن، فثمة أهمية كبيرة لمتابعة نتائج المؤتمرات الفرعية في أحياء المدن، ثم على مستوى المحافظات، التي لم تنته بعد لكن معظم ما تم منها -وهو قليل جدا- يشير إلى غلبة التيار المؤيد لرئيس الحزب كما كان متوقعا، لكنها أيضا حفلت بحالة كبيرة من الجدل والاستقطاب اللذين تحولا لمواجهات وعراك أحيانا.
وعليه، وفي غياب مرشح آخر قوي قادر على المنافسة الحقيقية، يكون حزب الشعب الجمهوري في المؤتمر القادم أمام أحد 4 سيناريوهات:
الأول أن يكون هناك تفاهم ضمني أو صفقة غير معلنة بين كليجدار أوغلو والتيار المعارض له، بحيث يصل الأخير بالحزب للمؤتمر العام ولا يترشح بل يدعم أوزال، ومن ثم يكون قد ضمن خروجا مشرفا من رئاسة الحزب (من دون استقالة)، وأمّن فوز التيار المطالب بالتغيير، خصوصا أن أوزال كان حتى وقت قريب ذراعه اليمنى، ولذلك فقد اختاره لرئاسة كتلة الحزب البرلمانية.
السيناريو الثاني أن يكون ترشح أوزال حقيقيا، وتحصل معركة كسر عظم في المؤتمر المقبل، وحينها وبغض النظر عن الحسابات السياسية، فإن فرص إنزال الهزيمة بكليجدار أوغلو ليست كبيرة، فالرجل يصنع رئاسة فروع الحزب في طول البلاد وعرضها على عينه، أي أنه يختار الآن من يفترض أن ينتخبوا رئيس الحزب غدا، مما يجعل مهمة أوزال في هذه الحالة ممكنة ولكن صعبة جدا.
السيناريو الثالث أن تكون المنافسة في المؤتمر العام للحزب حقيقية ويخوضها كليجدار أوغلو ويفوز بها، وهو احتمال أوفر من سابقه نوعا ما من الناحية الحسابية والانتخابية، لكنه ربما لا يكون مرجحا من الناحية السياسية. والمانع السياسي هنا يتمثل في خسارة الانتخابات الأخيرة التي ضُمَّتْ لسلسلة طويلة من الهزائم، وتقدُّمُ رئيس الحزب في السن إذ بلغ الـ75 من عمره، والوعود التي كان قطعها على نفسه بالتغيير وتمكين الشباب، وما إلى ذلك.
وبالتالي، يدفع ذلك إلى احتمالية السيناريو الرابع، الذي يتمثل في عدم ترشح كليجدار أوغلو في المؤتمر العام، بل دعم شخصية من التيار المؤيد له -ليس أوزغور أوزال- للرئاسة وضمان فوزها.
في الملخص، تدفع الحسابات السياسية نحو اكتفاء كليجدار أوغلو بالوصول للمؤتمر العام وادعاء حرصه على حصول التغيير والتجديد والإشراف على ذلك بنفسه، مما يرجح السيناريو الأول في حال وجود صفقة أو الرابع في حال غيابها. أما التوقع وفق الحسابات الانتخابية والإدارية المحضة، فيرجح كفة السيناريو الثالث، إذ يتوقع أن يكون رئيس الحزب الحالي أقوى حضورا من منافسيه بين أعضاء المؤتمر العام. وأما السيناريو الثاني، أي حصول معركة صفرية بين الطرفين وفوز أوزال بالرئاسة، فسيكون مفاجأة وفق الحسابات السياسية والانتخابية معا.
السيناريو الأرجح
وبالتالي، يصبح السؤال الملحُّ هنا: أي السيناريوهات أوفر حظا مقارنة بالبقية؟ ومن سيكون الرئيس المقبل لحزب الشعب الجمهوري والمعارضة في تركيا بشكل عام؟
ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال بشكل دقيق الآن، إذ ليست هناك مؤشرات واضحة حتى اللحظة حول حصول صفقة ما من عدمها، لا سيما أن إعلان أوزال عن ترشيح نفسه مقابل كليجدار أوغلو حصل قبل أيام قليلة فقط، ولم يصدر عن كليجدار أوغلو سوى تعقيب مقتضب مفاده أنه “من حق أي عضو في الحزب الترشح لرئاسته”. لذلك، سيكون التعويل على رصد ردود الأفعال وما بين سطور التصريحات في الأسابيع القليلة القادمة لمحاولة ترجيح أحد السيناريوهات على الثلاثة الأخرى.
لكن، وفق المعطيات الحالية، يمكن القول إن سيناريو الصفقة وارد جدا وأرجح كفة نسبيا من غيره، بالنظر إلى مسار الأحداث منذ الانتخابات الأخيرة، واسم المرشح المنافس لكليجدار أوغلو، وقربه المعروف من الأخير، وكونه أقرب للتيار التقليدي في الحزب، والاعتبارات السياسية السالفة الذكر. لكن، من يدري؟!