بقلم: كمال بالهادي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لا يخفى الاحتكاك الهندي – الصيني في الآونة الأخيرة، وهو احتكاك يأخذ في أغلبه شكل الحرب الباردة، ولكنه ينفجر في شكل نزاع حدودي في كل مرة، وحتى إن حاولت الصين والهند التخفيف من حدة هذه الاحتكاكات، إلاّ أن المراقبين يرون أن التنافس بين العملاقين الآسيويين ليس أمراً هيّناً، وأن تاريخ الصراع بينهما يذكّر دوماً بأن التطبيع الكامل بين البلدين لم يحصل بعد، بالرغم من كل الشراكات القائمة بينهما.
في واقع الأمر، هناك نزاع جغرافي حدودي بين البلدين لم ينجح البلَدان في حلّه بالطرق السلمية، ويعود هذا النزاع إلى الفترة الاستعمارية واستقلال الهند، عندما ترك البريطانيون منطقة في جبال الهملايا، تقول كل من الصين والهند إنها تتبعهما، وتسبب ذلك في نشوب حرب بين البلدين انتصرت فيها الصين في عام 1962، وبرغم ذلك استمرت النزاعات الحدودية، وكان البلدان على شفا حرب جديدة في عام 2017، لكن تم إخماد نارها بعد التوصل إلى اتفاق يثبّت الوضع على الأرض كما هو، وعاد الاحتكاك من جديد في عام 2022، ثم من أسابيع قليلة، وقبل انعقاد «قمة العشرين» في الهند، عاد الاحتكاك في المنطقة نفسها، بعد اتهامات من الهند للصين بأنها تعمل على تغيير الوضع من جانب واحد.
وظهر في الآونة الأخيرة مشروع قطار الشرق الأوسط، الأكثر أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، ليزيد من حدة التنافس الصيني الهندي، لأنه فضلاً عن كونه يعيد الروح إلى العلاقات التاريخية التي تربط نيودلهي بواشنطن، فإنّه يثبّت الهند حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة في منطقة تريد الصين أن تبسط نفوذها عليها. ولا يخفى على أحد حجم الاحتفاء الأمريكي الكبير بالمشروع الذي تم التوقيع عليه في «قمة العشرين» الأخيرة في الهند، والتي غابت الصين عنها. ولا يخفى أيضاً أن الولايات المتحدة تريد أن يكون هذا المشروع الذي ينطلق من الهند خطوة نحو قطع الطريق على مشروع الحزام والطريق الصيني والذي يمدّ هو الآخر سكة حديدية ضمن مشروعاتها الضخمة تشق قلب آسيا لتصل إلى قلب أوروبا، ومن الطبيعي أن يثير مثل هذا المشروع حفيظة الصين لأنه يأتي من الجار اللدود.
وفضلاً عن ذلك، هناك قضايا خلافية أخرى كبيرة بين البلدين. ففي قمة البريكس الأخيرة، حققت الهند نصراً سياسياً على الصين عندما عطلت مشروع التوسعة للمجموعة، وجعلت كثيراً من الدول «الحليفة» للصين خارج دائرة المجموعة، ما خيّب آمال بكين. إذ كان الخيار الصيني والروسي واضحاً منذ البداية، فالدولتان كانتا ترغبان في قبول مطالب كل الدول الراغبة في الانضمام لكن الهند رفضت. ففي كل عملية تقليم لأظافر الصين هناك استفادة أمريكية، وليس المهم من يتولى هذا الأمر، إنه منطق الحرب بالوكالة، كما يقول البعض تأخذ وجهاً عسكرياً مباشراً في الحالة الأوكرانية، ويأخذ شكلاً دبلوماسياً في الحالة الهندية. ولكن الأمر لا يقتصر على هذا التنافس الجيواستراتيجي في علاقة بالتنافس الدولي، بل إن البلدين يعيشان على وقع تنافس بيني شديد في كل المجالات والميادين.
المراقبون الذين يتابعون عن كثب هذا التنافس بين العملاقين الآسيويين، يتساءلون عن مستقبل هذا الصراع البارد في ظل وجود أطراف أخرى تريد أن ترفع درجة حرارته، فيما يذهب آخرون للتأكيد على أن انخراط البلدين في منظمات إقليمية مشتركة، مثل بريكس وشنغهاي، كفيل بإذابة الجليد، ودفع التكامل بينهما، رغم أنف الخلافات البينية، والأطراف الدولية الراغبة في إشعال أزمة في جنوب شرقي آسيا.