الشرق اليوم- عاد التوتر مجددا بين العراق والكويت، بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية القاضي بعدم دستورية التصويت على اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله والتي صادق عليها البرلمان العراقي في عام 2013.
جاء قرار المحكمة، بعد نحو 10 سنوات من الشد والجذب السياسي داخل العراق بشأن بنود الاتفاقية، التي يعتبرها بعض السياسيين العراقيين “مجحفة” وتضر بمصالح البلاد العليا.
منذ إعلان المحكمة الاتحادية العليا في العراق في الرابع من هذا الشهر، بطلان التصويت على الاتفاقية، تصاعدت حدة المواقف بين العراق والكويت ودول أخرى، بشأن ضرورة حل مسألة الخلافات الحدودية بين البلدين.
استنكار كويتي “شديد اللهجة”
آخر هذه المواقف كانت لدول مجلس التعاون الخليجي التي أصدرت بيانا مشتركا مع الولايات المتحدة، الأربعاء، دعت فيه إلى استكمال ترسيم الحدود البحرية الكويتية العراقية.
وجاء البيان بعد اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي في نيويورك.
ودعا البيان “الحكومة العراقية إلى الإسراع بتسوية الوضع القانوني الداخلي لضمان استمرار تطبيق الاتفاقية المتعلقة بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين الكويت والعراق”.
ودعا البيان كذلك “العراق والأمم المتحدة إلى بذل أقصى الجهود للتوصل إلى حل لجميع القضايا المتعلقة بهذا الشأن”.
قبل ذلك طالبت الكويت متمثلة بوزير خارجيتها الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح باحترام سيادة الكويت وحرمة أراضيها والاتفاقية الموقعة بين البلدين.
وأكد وزير الخارجية الكويتي في تصريحات تلفزيونية استنكار بلاده لحكم المحكمة الاتحادية العراقية “بشكل كبير”، مشددا أنه “بعد ثلاثين سنة وأكثر (من الغزو العراقي للكويت) نسمع نفس الشيء من الجانب العراقي. وهذا شيء نستنكره بأشد العبارات”.
لماذا أبطلت الاتفاقية؟
في توضيح للأسباب التي دعتها لإعلان بطلان التصويت على الاتفاقية، قالت المحكمة الاتحادية العليا العراقية إن القانون الذي تم التصديق بموجبه على الاتفاقية كان يستلزم موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
وتم التوصل إلى الاتفاقية في 2012 وصدقت عليها كل دولة في مجلسها التشريعي في 2013.
وذكرت المحكمة الاتحادية العراقية أن التصديق على الاتفاقية خالف أحكام دستور العراق التي نصت على أنه “تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب”.
ويشرح الخبير القانوني زهير ضياء الدين ما يعنيه قرار المحكمة الاتحادية والأسباب التي أدت بها لاتخاذ مثل هكذا خطوة.
يقول ضياء الدين لموقع “الحرة” إن “المحكمة رأت أن التصويت على الاتفاقية في البرلمان لم يكن مستوفيا للشروط الشكلية التي وضعها الدستور العراقي”.
ويضيف ضياء الدين أن الدستور نص على أن الاتفاقيات والمعاهدات يجب أن يتم التصويت عليها بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب العراقي”، مبينا أن “ما جرى في حينه هو أن البرلمان وافق على اتفاقية خور عبد الله بأغلبية النصف زائد واحد من عدد الحاضرين، وبالتالي يعد التصويت باطلا”.
وبشأن توقيت القرار والذي جاء بعد مرور 10 سنوات على المصادقة على الاتفاقية، يؤكد ضياء الدين أن المحكمة الاتحادية غير قادرة على النظر في القضايا إلا بعد أن يقدم لها طعن من جهة ما أو شخص ما”.
ويشير إلى أن “السنوات التي خلت لم يقدم أي شخص طعنا في الاتفاقية، لكن قبل عدة أسابيع قدم عدد من االنواب طعنا لدى المحكمة مما جعلها تنظر فيه وتتخذ قرارا بشأنه”.
ويعدد الخبير القانوني مجموعة من الخيارات التي يمكن من خلالها معالجة الإشكالية المتعلقة ببطلان الاتفاقية “ومنها أن يعاد عرضها على البرلمان للتوصيت مجددا وهذا يجب أن يتم بأغلبية الثلثين”.
أما الخيار الثاني، وفقا لضياء الدين، “فيتمثل بالجلوس والتفاوض مع الكويت مجددا يمكن من خلاله التوصل إلى صيغة جديدة ترضي الطرفين لحل الإشكالية”.
ويضيف ضياء الدين أنه في حال فشل الخيارين أعلاه، فيمكن للكويت أن تلجأ للمحاكم الدولية وتطعن بموقف العراق وتنتظر ما الذي سيحكم به القضاء الدولي”.
خلافات متجددة
تم ترسيم الحدود البرية بين البلدين من قبل الأمم المتحدة في 1993 بعد غزو العراق للكويت، لكنه لم يغط طول حدودهما البحرية، وترك حل هذا الأمر للبلدين.
ورغم ذلك، لا تزال الخلافات الحدودية قائمة، إذ أن العراق يعترف بالحدود البرية التي رسمتها الأمم المتحدة في العام 1993، لكنه يعتبر أن حدوده البحرية تمنعه من الوصول إلى الخليج، وهو أمر حيوي لاقتصاده.
كذلك يعتبر خبراء عراقيون أن الخطوة الكويتية المتعلقة ببناء ميناء “مبارك الكبير” في جزيرة بوبيان الواقعة في أقصى شمال غرب الخليج، من شأنها أن تؤدي إلى “خنق” المنفذ البحري الوحيد للعراق في خور عبد الله.
وتريد بغداد أن يضمن لها ترسيم الحدود البحرية القدرة على الوصول إلى بحر الخليج، الذي تحتاج إليه اقتصاديا ولصادراتها النفطية.
وتعد “بوبيان” أكبر جزيرة كويتية بمساحة إجمالية تبلغ 863 كيلومترا مربعا، بحسب وكالة الفضاء الأوروبية.
وهناك أيضا جزيرة “وربة”، التي تقع على بعد حوالي 100 متر شرق البر الرئيسي الكويتي، وكيلومتر واحد جنوب البر الرئيسي العراقي (عبر أعلى اليمين) بالقرب من مصب شط العرب. وتبلغ مساحة “وربة” الإجمالية 37 كيلومترا مربعا، وفقا للوكالة الأوروبية ذاتها.
وفي 2011، رفضت الكويت طلب العراق بوقف تشييد ميناء “مبارك الكبير” وباشرت العمل بالمشروع في جزيرة “بوبيان”، الذي يرى العراق بأنه سيؤدي إلى اختزال جزء كبير من مياهه الإقليمية على الخليج.