بقلم: علي حمادة- النهار العربي
الشرق اليوم– آخر أخبار “الكبتاغون” السوري إعلان وزير الداخلية الإماراتي الشيخ سيف بن زايد عن ضبط واحدة من أكبر عمليات تهريب الكبتاغون على مستوى العالم وحجمها 13 طناً! خبر أمني تقليدي لولا أنه يعيدنا إلى طرح مسألة التطبيع مع النظام في دمشق. فعندما جرت إعادة دمشق إلى الجامعة العربية خلال قمة جدة العربية في المملكة العربية السعودية، كانت أجهزة الدعاية التابعة للنظام السوري تصف الحدث بأنه تتويج لانتصار النظام على خصومه جميعاً، معتبرة أن سوريا لم تعد إلى الحاضنة العربية، بل إن العرب هم الذين عادوا إلى سوريا.
طبعاً كانت هذه “بروباغاندا”، وخصوصاً أنها اتبعت بالجزم بأن الحرب في سوريا انتهت بانتصار النظام وحلفائه، بالتالي ما عادت ثمة حاجة للحديث عن حلول سياسية في سوريا. وخرج إعلاميو النظام ليقولوا إن ثمة معارضتين، الأولى عميلة للخارج لا تعامُل معها، والثانية وطنية في الداخل يمكن التعامل معها. كان هذا المناخ طاغياً خلال شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو) الماضيين. تغيّر كلا الوضع والمناخ بين شهري تموز (يوليو)، وآب (أغسطس) الماضيين مع انتهاء “فترة السماح”.
لم تقتنص دمشق الفرصة من أجل تحصين عودتها إلى الحاضنة العربية من خلال إظهار حسن النية، والرغبة في تنفيذ بنود الشروط العربية للانفتاح التي صيغت في اجتماعات وزراء الخارجية العرب المعنيين، أكان في جدة أو في العاصمة الأردنية عمّان، وكان من أهم الشروط العربية التي سبقتها إعادة دمشق إلى الجامعة العربية كبادرة حسن نية، أن يقوم النظام بخطوات ملموسة للشروع في بلورة الحل السياسي الشامل، وأن يستعيد سيطرته على الأرض في البلاد بشكل مستقل (عن الإيرانيين)، وأن يضع خطة جدية لحل أزمة اللجوء السوري، ومعها النزوح في داخل سوريا. والنقطة الثالثة التي أصرت عليها دول الخليج العربي ومعها كل من الأردن ومصر، أن يقوم النظام بوقف إنتاج المخدرات وتهريبها إلى دول الجوار.
طبعاً لم يقم النظام بما يترتب عليه في أي من النقاط الواردة آنفاً. أما في مسألة إنتاج وتهريب المخدرات ومن بينها الكبتاغون، وبدلاً من أن ينخفض حجم التهريب، ارتفع ارتفاعاً مطّرداً، ما زاد من منسوب التوتر مع الأردن الذي نفذ أكثر من غارة جوية داخل سوريا ضد عصابات التهريب المنتشرة في الجنوب السوري برعاية جهات معروفة من النظام و”فيلق القدس”. ويمثل قيام الإمارات يوم أمس بإحباط أكبر عملية على المستوى العالمي لتهريب الكبتاغون، علامة سلبية تدل إلى أن دمشق غير مستعدة للتعاون مع العرب الذين أسهموا في إعادتها إلى الحاضنة، لا في السياسة ولا في الأمن، وأنها تعتبر أنه لا يقع عليها عاتق رفع الأذى عن الحاضنة من الأردن إلى السعودية والإمارات وغيرها. بل إن الدول العربية هي التي يقع عليها تمويل المصالحات السياسية، وإعادة إعمار سوريا، وتمويل الاقتصاد لوقف التدهور، وبالتالي تبرير وقف إنتاج المخدرات وتهريبها!
ما تقدم من شأنه أن يعيد الأمور إلى المربع الأول. بمعنى أنه على رغم إعادة دمشق إلى الجامعة العربية، فإن الانفتاح عليها سيبقى محدوداً إلى أن تلتزم بسلة الشروط العربية. وبالمحصلة الأخيرة، وفيما تنتفض السويداء جنوباً، ويرتفع التوتر عند الحدود شرقاً، وينتكس الوضع الأمني شمالاً، وتشتعل السماء بالغارات الإسرائيلية، وينهار الوضعان المالي والاقتصادي، فقد أقفلت النافذة العربية التي فتحت بوجه دمشق في مطلع الصيف.