بقلم: نبيل سالم – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- توجّهت الأنظار مؤخراً نحو شرق الفرات، على وقع الاشتباكات المسلحة التي تجري بين ما يُعرف ب”قوات سوريا الديمقراطية” “قسد” ومسلحين من عشائر عربية في محافظة دير الزور السورية.
وعلى الرغم من أن التوتر جاء في أعقاب احتجاز قوات “قسد” قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، أحد رجال العشائر العربية في المنطقة، واعتقال قياديين آخرين من أبناء العشائر العربية فإن المتتبع لتفاصيل المشهد السياسي والعسكري في شرق الفرات يدرك تماماً أن خلف الأكمة ما خلفها، وأن هذه الاشتباكات ليست سوى انعكاس أو ترجمة على الأرض لمخططات وأجندات خارجية، تسعى إلى تأجيج الوضع في هذا الجزء المهم من سوريا، ودفع فعاليات قبلية للتحالف مع الولايات المتحدة، أو ما يُسمى بالتحالف الدولي، الذي يرفع لافتات محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وهو الشعار الذي تتمسك به الولايات المتحدة، لتبرير تدخلها في الشأن السوري الداخلي، واحتلالها غير القانوني جزءاً حيوياً من الأراضي السورية.
وتنبع حيوية شرق الفرات من كونه يمثل المجال الجغرافي الذي يحتوي على معظم ثروة سوريا النفطية، وسلتها الغذائية، حيث تعد منطقة الجزيرة والأراضي المحيطة بنهر الفرات، والتي تسيطر عليها مليشيا “قسد” من أخصب مناطق سوريا وأكثرها تنوعاً بالمحاصيل الزراعية، لا سيما القمح الذي يعتبر مصدر الغذاء الرئيسي لسوريا وعماد الأمن الغذائي السوري، ناهيك عن أهميتها الجغرافية والتجارية كمنطقة حدودية تجمع الأراضي السورية بالعراق وتركيا.
ويضاف إلى ذلك سيطرة القوات الأمريكية المحتلة على أهم حقول النفط والغاز في شرق سوريا بذريعة منع إرهابيي تنظيم “داعش” من الوصول إلى حقول النفط، وهو نفس الشعار الكاذب الذي استخدمته الولايات المتحدة لتبرير تدخلها في الأساس في الأزمة السورية، علماً بأن أحداً لا يشك أبداً في أن الولايات المتحدة والاستخبارات الغربية الأخرى هي التي صنعت “داعش”، وهي التي تستخدمه وقت الحاجة لتنفيذ مخططاتها، تماماً كما فعلت مع تنظيم القاعدة من قبل، والذي استخدمته في ذروة الحرب الباردة كمخلب قط في الصراع مع الاتحاد السوفييتي السابق.
إن الولايات المتحدة تمارس عمليات سرقة في وضح النهار لمقدرات الشعب السوري، وعلى رأسها ثرواته النفطية، بالتعاون مع قوات “قسد”، ففي الخامس عشر من يوليو الماضي أكدت وكالة الأنباء السورية “سانا” نقلاً عن مصادر محلية من منطقة اليعربية أن “قوات الاحتلال الأمريكي أخرجت إلى قواعدها في شمال العراق رتلاً مؤلفاً من 120 آلية تضم 65 ناقلةً بعضها يحمل معدات عسكرية معطوبة مغطاة، و20 شاحنة تبريد، و35 صهريجاً محملاً بالنفط السوري المسروق”. وأكدت المصادر أن القافلة كانت ترافقها 4 سيارات نوع “بيك آب” تابعة لقوات “قسد” لتأمين الحماية لها.
وفي وقت سابق، قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إن الأضرار التي لحقت بقطاعي النفط والغاز في البلاد من عام 2011 إلى عام 2022 بلغت 107 مليارات دولار. وقال إن دمشق تطالب بهذا التعويض.
ويأتي ذلك في وقت تستمر فيه ما تسمى ب”وحدات حماية الشعب” التابعة ل”قسد” عبر سماسرة يعملون لحسابها في تهريب كميات كبيرة من القمح السوري إلى إقليم كردستان العراق على الرغم من أزمة القمح التي تشهدها مناطق شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وإذا أضفنا إلى كل ذلك التعقيدات السياسية المتشابكة للأزمة السورية، وتعدد أطرافها المعروفين، فإن ذلك يؤكد أن الساحة السورية، التي أصبحت مع الأسف حلبة نزال لقوى خارجية بأجندات متعارضة، قد تشهد المزيد من العنف والصراعات المتدحرجة على امتداد الجغرافيا السورية، وأن الاشتباكات الأخيرة بين “قسد” والعشائر العربية ليست سوى حلقة من مخطط طويل، وأن هذه المنطقة مرشحة لتصعيد أكبر يرتبط بالتعقيدات الكثيرة التي تتسم بها الأزمة السورية، والتي تزيد من تعقيداتها العقوبات الأمريكية التي تمس بشكل مباشر مصالح الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته.
يمكن القول إن شرق الفرات حتى وإن شهد هدوءاً مؤقتاً سيظل معضلة وعقبة في طريق حل الأزمة السورية، لأسباب كثيرة في مقدمتها الوجود الأمريكي غير الشرعي في المنطقة، والعقوبات الأمريكية على سوريا، ووجود قوى محلية وإقليمية ودولية متعارضة في منطقة غنية بالثروات وحافلة بالإثنيات والمذاهب والأعراق، ما يجعلها تربة خصبة للصراعات وساحة قابلة للانفجار في أي لحظة.