الرئيسية / مقالات رأي / ترامب… الجلسة لم تُرفع بعد

ترامب… الجلسة لم تُرفع بعد

بقلم: فارس الغنامي- النهار العربي

الشرق اليوم– في مشهد غير معتاد، وقف رئيس الولايات المتحدة السابق، دونالد ترامب، أمام منصة القضاء الأميركيَّة؛ ليكون مُتفرداً بهذا الموقف الذي لن يمر سريعاً في سجلات التاريخ، التي بدأت توثيق ما يحدث بهذا البلد المُكتشف حديثاً، في أواخر القرن الخامس عشر، على يد كريستوفر كولومبوس.

وقد تعرَّض أندرو جونسون، الرئيس السابع عشر لأميركا، لمحاكمة أمام مجلس الشّيوخ، وبعده بنحو 110 أعوام، وقف مكانه بيل كلينتون؛ الرئيس الثاني والأربعون؛ لاتهامه بمخالفة اليمين الدستوريّة التي أقسم عليها، وعرقلة سير العدالة، كما تمّت مواجهته بدعوى تحرش جنسي، ولكنه أفلت من جميع التّهم الموجّهة إليه، ولم يثبت عليه شيء يدينه.

كما سبق لدونالد ترامب مثوله أمام مجلس الشّيوخ، مرّتين، خلال فترة رئاسته للبلاد، لمحاكمته؛ الأولى بتهمة إساءة استخدام السّلطة وعرقلة عمل الكونغرس، أما الثانية؛ فكانت بسبب التحريض على العصيان، خلال اقتحام الكونغرس، من قبل حشود غاضبة من وصول منافسه جو بايدن إلى كرسي الرئاسة.

لكن الشيوخ الأميركي فشل في جمع عدد الأصوات اللازمة لإدانة دونالد ترامب في التهمتين، واختلف الأمر معه وخرج عن السياق المعتاد في مثل تلك المواقف؛ إذ حادوا في واشنطن عن التّقليد المتعارف عليه، بعدم توجيه تهمة لرئيس سابق؛ حتى لا ينشغل الرئيس الحالي عن مهام عمله، ويتفادى بذلك ضغوط الإعلام والأحزاب، وكان ترامب أول من طاله ذلك الإجراء، والذي دخل به التاريخ من بوابة سلبية.

وبهذا؛ تبقى محكمة مانهاتن شاهدةً على خضوع أول رئيس أميركيّ لمحاكمة جنائيّة كما لو كان مواطناً عادياً؛ بعد نزوله من على منصة الحكم، وخلعه عباءة الحصانة، ومغادرتِه البيت الأبيض مجرّداً من أيّ نفوذ يقيه معاملة غير لائقة بمكانته، وقتما تصوّب إليه أصابع الاتّهام.

ترامب لم يكن رئيساً عادياً للولايات المتّحدة الأميركيّة؛ فقد كان رحيله استثنائياً، إذ تبعه أعمال شغب وعنف نالت من ديموقراطيّة أقوى بلدان العالم وكيانها، والتي وظّفتْ نفسها طويلاً وصيَّةً على دول الكرة الأرضيّة كافةً، كما تمَّ اقتحام كبرى مؤسّساتها الحكوميّة في سابقة لم تعهدها من قبل.

إنّ فترة حكم ترامب شهدتْ عدداً لا بأس به من الأحداث المتوتّرة، التي تَعاقبتْ على العالم وجعلته على حافة الحرب في غير مرّة؛ نظراً لما عُرف به من تهوّر في اتخاذ القرارات، خاصةً في ما يتعلّق بإيران وكوريا الشّماليّة.

ويُحسب لترامب أن مرّت أربع سنوات – هي مدّة ولايته – دون سماع أزيز الرصاص، أو حتّى إخراج فوّهات المدافع طلقةً واحدةً بسبب قرار “ترامبي”، ولم يَفْتح ساحات جديدة للقتال، على عكس ما كان متوقعاً وقْتئذ، وفي الوقت نفسه لم يحسم أمر معارك مندلعة؛ كتلك التي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكنه اتخذ قراراً لافتاً؛ بنقل سفارة بلاده إلى القدس.

منذ أشهر تتناقل وسائل الإعلام العالميّة خبر محاكمة دونالد ترامب – الرئيس السابق لأقوى دولة في العالم، والمنافس بقوة في المعترك الانتخابي الأخير أمام جو بايدن، ساكن البيت الأبيض حالياً – كما أعلن الرئيس القابع في غرف الاتهام خوضه غمار معركة الانتخابات المقبلة، في ظلّ تمتُّعه بشعبية لا يمكن تجاهلها داخل الولايات المتّحدة الأميركيّة.

لم يكن ترامب الرئيس الأميركي الوحيد الذي صعد مسرح الاتّهام مُرغماً، فقد لحق به سلفه أوباما الذي واجه حملةً شنْعاء على منصة تويتر أو ما يُعرف حالياً بـ«إكس»، التي يمتلكها الملياردير العالمي إيلون ماسك. إذ تبنّت المنصة التي سبق وعلّقت حسابات ترامب بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول، نشر حوار لشخص مجهول كال الاتّهامات غير الأخلاقيّة لباراك أوباما.

كان هذا الشّخص قد صرّح بأنّ أوباما أقام معه علاقات غير شرعيّة، وشرب معه الكحول، واعتادا سوياً ممارسة هذا الفعل الفاضح لوقت طويل، لكنّ هذه الاتّهامات لم تدخل حتى من باب المنطق، ووقفتْ عصيةً على التّصديق؛ لأنها أقرب ما تكون لحملة انتقامية غير مُبرّرة من مسؤول سابق توارى عن الأنظار، وعاد ليعيش حياته الطبيعية رفْقة أسرته الصغيرة، ولم تجذبه طموحات العودة إلى عالم القوّة والنفوذ ثانيةً.

ما يثير اهتمام الرأي العالمي؛ أنّ ترامب – الرئيس السابق لأقوى دولة بالعالم – يواجه ما يربو على أربعين تهمة جنائيّة مختلفة، وتتكون لائحة الاتّهام من 98 صفحة، وتضم – إلى جوار ترامب – عدداً من المدانين الآخرين يقارب الـ20 شخصاً، وتتراوح التّهم بين رفض نتيجة الانتخابات التي أَفْضت إلى سقوطه المفاجئ الذي جاء مُخيّباً لتوقعاته، ومحاولاته المستميتة قَلب النتيجة رأساً على عَقب، في إحدى الوِلايات التي حُسمت لمنافسه، وإظهار عكس ما أَفرزته إرادة الناخبين، إضافةً إلى تُهم الرّشوة ودفع أموال سراً لنجمة تحترف الأعمال المنافية للآداب، وتضخّم ثروته، خلال فترة حكمه وقبلها ببضع سنوات.

وها هو ترامب يجد نفسه، ونجليه، ومجموعة عائلة ترامب، مُطالبينَ بدفع تعويضات جمّة، قُدّرت بما قيمته 250 مليون دولار، عن أضرار بتهمة الاحتيال الضّريبي والمالي، كما يستعد مع نجليه للمثول أمام محاكمة مدنيّة تطول نهاية العام تقريباً بتهمة الاحتيال.
كانت محاكم ولاية نيويورك قد أدانت ترامب بتهمة تضخّم أصوله بمليارات الدولارات، بين عامي 2011 و2021، أي قبل وصوله إلى الحكم وحتى بعد مغادرة البيت الأبيض وما بينهما، خلال ترؤسه الولايات المتّحدة، إذ أصدر مكتب النيابة العامة بياناً عن نسبة المُبالغة في تقدير أصول ترامب، والتي تَراوحت بين 1.9 إلى 3.6 مليارات دولار سنوياً.

ووفقاً للائحة الاتّهام؛ يواجه الرئيس الأميركي السابق ترامب، الطامح في العودة إلى البيت الأبيض من جديد، وابناه، تُهماً متعلّقة بالتلاعب عن قصد – صعوداً وهبوطاً – بتقييمات أصول المجموعة المكوّنة من نوادي غولف، وفنادق فاخرة، وغيرها من الممتلكات؛ بغية الحصول على قروض بشروط أفضل من تلك التي تتطلّبها البنوك، أو لتخفيض الضّرائب عليها.

ترامب علّق على قرار محاكمته، أمام وسائل الإعلام؛ وقال: “إنه يوم حزين للغاية بالنسبة لأميركا، كما أنه كان محزناً للغاية رؤية واشنطن بهذه القذارة والانحلال، هذا ليس المكان الذي غادرته”، الأمر الذي تبعته ردود فعل واسعة النّطاق، وتباينت الآراء بين معارض لترامب، ومؤيد له، معلناً عن تعاطفه ودعمه في خطواته المقبلة.

وما زالت طموحات ترامب كبيرةً في خلافة بايدن، وتعويض الخسارة التي مُني بها في 2020، كما أنه باق ومستمر في قائمة الحزب الجمهوري الأوليّة، المنوطة باختيار منافس بايدن في الانتخابات الأميركيّة المُقرّر لها 2024، بل إنه ضمن أبرز مَنْ أَعلنوا عزمهم على الترشّح لرئاسة أميركا، إلى جانب العضو البارز في الحزب رون ديسانتس، ويقول ترامب إنه أقوى أعضاء الحزب الجمهوري الذين يمكنهم المنافسة في الجولة المرتقبة.

ورغم الموقف القانوني المتأزّم الذي يعيشه ترامب، فإنه – وفقاً للعديد من استطلاعات الرأي – يعدّ الأوفر حظاً للفوز برئاسة أميركا في انتخابات 2024؛ بعدما لمس الأميركيون كبر سن بايدن، وتخاذله في بعض المواقف، على عكس ما كان عليه ترامب الذي أُطلق عليه الأميركيون لقب رجل البيت الأبيض القوي.

يمكننا القول اليوم، إنّ الحملات المنظّمة التي تعرّض لها ترامب قد تكون سبباً في فوزه بكرسي العرش الأميركي، وأمام فريقه القانوني أكثر من حيلة للإفلات من التّهم الموجّهة إليه؛ والتي منها أنه كان مرغماً على فعلها، بحكم كونه رئيساً لأميركا في ذلك الوقت، ويبحث ترامب عن فرصةٍ لنيل الحصانة؛ من خلال تحويل القضيّة إلى محكمة فيدراليّة.

أيضاً ثمة أصوات تتعالى في الأوساط السياسيّة الأميركيّة، تطالب باستخدام بايدن سلطاته الدستوريّة والتدخّل من أجل العفو عن منافسه في الانتخابات الفائتة، رغم أن هناك من يشير في الوقت نفسه إلى أن بايدن يكون قد كتب آخر سطر في تاريخه السياسي حال العفو عن ترامب.

وتبقى الأيام المقبلة حبلى بالأحداث السياسيّة داخل أروقة العدالة ومؤسسات المساءلة بالولايات المتّحدة الأميركيّة، التي تعيش ظرفاً استثنائياً؛ وهو مواجهة رئيسها السابق بتهم جنائيّة، لأوّل مرّة، وربّما يفتح التاريخ دفاتره من جديد ويسجّل في صفحاته، أن ترامب ثاني رئيس في تاريخ أميركا يصل إلى البيت الأبيض مرّتين في ولايتين منفصلتين.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …