الشرق اليوم– تتكرر الرسائل القاسية للتغير المناخي إلى البشرية، مع اتساع ظاهرة الحرائق الهائلة والفيضانات المدمرة والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، وأغلبها تأتي في غير موعدها، فللعام الثاني على التوالي تصبح هذه الكوارث الطبيعية فوق الاحتمال وتنذر بتصاعدها في السنوات المقبلة، ما يدفع إلى ضرورة الانتباه وضرورة تضافر الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فرص للحياة على الأرض.
على مدى أسابيع التهمت النيران عشرات آلاف الهكتارات من الغابات في كندا وإيطاليا وتركيا واليونان وإسبانيا وروسيا، وضربت الأعاصير والفيضانات الجارفة فلوريدا الأمريكية وطاجيكستان والصين والفلبين وروسيا، وجمعت مناطق في إسبانيا والولايات المتحدة بين الكارثتين، الفيضانات والحرائق، بينما شهدت اليابان أعلى درجة حرارة منذ 125 عاماً، وعرفت أستراليا أدفأ شتاء منذ 113 عاماً، بالتوازي مع اتساع نطاق الجفاف مع ما يشكله من تهديد للأمن الغذائي، وارتفاع في منسوب مياه البحر الذي يهدد بالاختفاء التدريجي لسواحل عدة. وكل هذه المؤشرات تؤكد أن مشكلة التغير المناخي لم يعد مسموحاً السكوت على تداعياتها الخطيرة، وأصبح التحرك لحماية كوكب الأرض مطلوباً أكثر من أي وقت مضى.
إذا كان لهذه الظواهر من مزايا، فإنها تساهم في تشكيل وعي بخطورة ما يحدث، وتحفز صناع القرار على ضرورة فعل الشيء السليم، وذلك قبل 88 يوماً من انعقاد مؤتمر “COP28” بدولة الإمارات في نوفمبر المقبل، إذ سيكون هذا الملتقى مناسبة للمصارحة والمكاشفة بين أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وما بذلته الإمارات من جهود محمودة ومشاورات موسعة يسمح بفتح مسار جديد في العمل المناخي، ويضع خطة واضحة للمواجهة والتكيف مع التغيرات الطارئة بسبب الاحتباس الحراري.
لم يعد أمام الأطراف المعنية بمواجهة التغيرات المناخية، غير العمل على تحقيق التطلعات والطموحات التي تشترك فيها البشرية، ولا تقتصر المشاركة في هذه المواجهة على الدول والحكومات والمنظمات الدولية، بل تستقطب القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني والنساء والشباب. فهذه المعركة ضرورية وأهدافها شاملة من أجل حل الأزمة المناخية والدفاع عن الحق في الحياة لكل الأمم والشعوب والفئات الاجتماعية، ولاسيما الأطفال، الذين قالت عنهم دراسة حديثة إنهم “يتعرضون للإهمال بشكل مؤسف من ناحية التمويل اللازم لمساعدتهم على التكيف والبقاء والاستجابة للأزمة المناخية”، والأطفال هم رجال الغد، ومسؤولية الأجيال الحالية أن تضمن مستقبلهم وتسلمهم مشعل العمل المناخي، الذي سيزداد إلحاحاً في العقود المقبلة.
التحذيرات والنداءات الداعية إلى إنقاذ المناخ لا تتوقف، بل أصبحت تتسارع في الفترة الأخيرة معبّرة عن مخاوف وهواجس لدى جميع الأطراف. وأمام الكوارث المتكررة وحصيلة الضحايا المتزايدة لآثار التغيرات المناخية، أصبح المسار واضحاً والاستحقاقات معلومة. ومهما كانت الخلافات بين مكونات المجتمع الدولي، فإن مواجهة أزمة المناخ لا تقبل الخلاف أو التأخير، وأصبح واجباً توحيد الجهود لوضع استراتيجيات مشتركة تقلل من آثار الكوارث المتطرفة وتحفظ للإنسانية حقها في البقاء والتنمية والتطور دون خوف من تهديد الطبيعة.
المصدر: صحيفة الخليج