بقلم: عبدالله السويجي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- الحرب بالوكالة هي أن تقوم دولة بإنشاء تنظيم عسكري لا تعترف به ظاهرياً وتمده بالسلاح والمال وتزوده باللوجستيات بالخفاء، وتستخدمه لإثارة القلاقل وشن الحروب في دول أخرى تناصبها العداء، وتتفرج عليه وقد تدينه أو تنعته بالمجرم والإرهابي، وفق المصالح والتقلبات، وتلجأ معظم الدول، بما فيها الدول الكبرى، إلى هذا النوع من الحروب. ويقول الباحث دانيال بايمان، الأستاذ بمركز بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط، في مقال بمجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية: «الحرب بالوكالة هي شكل منقوص من الحروب، وتحدث عندما تقوم قوة كبرى بتحريض أو لعب دور رئيسي في دعم وتوجيه القتال في بلد آخر، لكنها لا تشارك إلا بقدر صغير من القتال الفعلي بنفسها. ومن الناحية العملية، فإن الحرب بالوكالة أشبه بطيف، وفي أي صراع غالباً ما يتغير التوازن بين قوى الدولة الراعية والوكيل». وضرب الباحث مثلاً بالحرب السورية ووصفها بأكثر الصراعات دموية، و«يمكن توجيه اللوم إلى جيران سوريا والقوى الكبرى».
وهناك دول تقوم بحروب بالوكالة عن دول أخرى، وإذا تتبعنا العلاقة الوطيدة والحميمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، منذ إنشاء الأخيرة في فلسطين، نجد أن إسرائيل تقوم بتنفيذ السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وتشكل الذراع العسكرية المباشرة للولايات المتحدة، وهي حرب علنية بالوكالة لا تحتاج إلى دليل، وتتعهد الولايات المتحدة، عبر كل الرؤساء الذي تناوبوا على البيت الأبيض، بتفوق إسرائيل العسكري، واعتبار أمنها أولوية قصوى، لأنه من دون إسرائيل، تخسر الولايات المتحدة دورها في الشرق الأوسط. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران؛ إذ لديها أذرع عسكرية في المنطقة تنفذ سياساتها وتدافع عن مصالحها، مثل «حزب الله»، واستخدمت إيران ذراعها العسكرية والسياسية في الحرب اليمنية والسورية.
والأمثلة على الحروب بالوكالة كثيرة، فقد تبين بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، أن الولايات المتحدة كانت تدعم تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» بالأسلحة الدقيقة والإحداثيات وأجهزة الاتصال المتطورة، وكانت تؤيد ما يسمى «الجهاد الإسلامي» بتأييدها بن لادن، لكن الأخير تحول إلى إرهابي بعد خروجه عن الطاعة، وهو نموذج لخروج الوكيل عن الكفيل، الذي غالباً ما يحدث في الحروب بالوكالة، ولا يلجأ الكفيل إلى تدميره كلياً بسبب حسابات مستقبلية.
وقد صرحت هيلاري كلنتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، (والفيديو موجود على يوتيوب)، بأن الولايات المتحدة لم تقض على تنظيم «القاعدة» لاعتقادها بأنها ستحتاج إليه في ظروف لاحقة، وقد استخدمته بالفعل حين لبست «القاعدة» لبوساً آخر في العراق، من خلال تنظيم «داعش»، الذي حاربته لاحقاً، ووجوده حتى الآن يعود إلى النظرية ذاتها التي أطلقتها السيدة كلنتون؛ إذ يقوم بدور نشط شمالي سوريا، ولا ندري الجهة التي تموله حتى يظل صامداً ويقيم شبه دولة في إدلب وبعض مناطق البادية. ويبدو أن التحالف الذي يطالب زعيم الانقلاب في النيجر بإعادة تسليم السلطة للرئيس المخلوع، قد يلجأ إلى الحرب بالوكالة، في ظل تعسّر حشد القوات، وامتناع بعض الدول، مثل مالي والجزائر، عن التعاون وفتح أجوائها لشن هجمات ضد زعماء الانقلاب.
وأعتقد بأن التحالف سيحيي تنظيماً يشبه «داعش»، إن لم يكن «داعش» نفسه، لمحاربة النيجر المغضوب عليها الآن، وقد تعرّضت مجموعة من جنودها قبل أيام لكمين أودى بعشرين جندياً، وهو عمل احترافي ومدروس.
الحرب بالوكالة عمل لا أخلاقي ولا وطني، هكذا يمكن وصفه بدقة، لأن الوكيل يقوم بقتل شعبه وتدمير حكومته، بغض النظر عن الشعارات، ونعود نطرح الحرب السورية مجدّداً من خلال سؤال: ماذا استفاد الملتحقون بالتنظيمات المتشددة من السوريين؟ وسؤالنا لا علاقة له بموقفنا المؤيد أو الرافض للشعارات أو للأهداف، إنما غالباً ما تكون للوكيل صلاحية، تنتهي مع تنفيذ الأهداف، وقد ينقلب السحر على الساحر، وهذا ما حدث ويحدث في معظم الحروب بالوكالة.