الشرق اليوم- راجت تكهنات كثيرة حول أسباب تحطم الطائرة التي كانت تقل يفغيني بريغوجين زعيم “فاغنر”؛ منها ما تحدث عن مؤامرة، للتخلص منه، بعد أن صار عبئاً على الكرملين، إثر تمرده القصير الأخير؛ ومنها ما أشار إلى خلل فني، أصاب الطائرة التي كانت تقله مع تسعة آخرين؛ ومنها ما ذهب أبعد من ذلك بتعرض الطائرة لصاروخ أطلق من الأرض، أو تفجيرها بعبوة ناسفة كانت مزروعة في داخلها. لكن كل هذه التخمينات التي ساقتها مصادر غربية، لا ترقى إلى حقيقة ما حدث. إلا أن الثابت هو أن صفحة هذا الرجل الجدلي طويت، وطويت معها أسرار “فاغنر”، ودورها في الحرب الأوكرانية، وخصوصاً في باخموت، وفي غيرها من المواقع الذي كانت تقوم فيها بأدوار خلفية لمصلحة الجيش الروسي، بانتظار نهاية التحقيق الذي تقوم به موسكو في حال صدور نتائجه.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم واجب العزاء على طريقته، بالقول: إن بريغوجين “حقق نتائج، لكنه ارتكب أخطاء”، وأنه رجل “واجه أقداراً صعبة، وكان رجلاً موهوباً”، لافتاً إلى أن التحقيق سوف يتواصل، لكنه “سوف يستغرق بعض الوقت”.
هذا النعي يحمل وجهين، الأول هو الإشادة ب”النتائج” التي حققها في ميادين القتال التي عمل فيها، ومن بينها في أوكرانيا، والثاني الإشارة إلى “أخطائه”، وخصوصاً تمرده في شهر يونيو/ حزيران الماضي.
النهاية الدراماتيكية “لطباخ بوتين” ترسم صورة حول نهاية هذا الرجل الذي وصفته موسكو ب”المتمرِد”؛ إذ إن ما قام به أمر “لا يغتفر”، وغير مسموح به، لأنه عرّض صورة الكرملين للاهتزاز والتشويه أمام الدول الغربية، ووسائل إعلامها، في وقت كان الكرملين يسعى جاهداً إلى شد العصب القومي في مواجهة ما تتعرض له روسيا من حرب غربية هجينة، تقودها الولايات المتحدة؛ بغية إضعافها وتفكيكها.
لقد نجح الكرملين بوساطة رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو في لجم بريغوجين، ثم في تقييد حركة “فاغنر” بتسليم أسلحتها في يوليو/تموز الماضي، ووضع صيغة تعاقد جديدة للقطاع الخاص مع وزارة الدفاع، في حين ظل مصير بريغوجين مجهولاً، هل هو في موسكو، أم في بطرسبورغ، أم في بيلاروسيا؟، بينما ظهر الرئيس بوتين مع رئيس أركانه غيراسيموف في مدينة روستوف بمقر القيادة العسكرية الجنوبية التي احتلها بريغوجين لفترة وجيزة، في إشارة إلى أن الكرملين حسم أمر اصطفافه إلى جانب قيادته العسكرية، كما طوى صفحة الانقلاب، وكذلك صفحة زعيم “فاغنر”.
بالنسبة إلى الكرملين، فإن الإبقاء على هالة بريغوجين التي ضخمها الإعلام الغربي كثيراً، بعد محاولته الانقلابية الأخيرة، وتصويره على أنه صانع الانتصارات في أوكرانيا وغيرها من الدول، وخصوصاً في إفريقيا، لا يتناسب مع الدور الذي حدده له، ولا مع الحرص على أن يكون الدور الرئيسي للجيش الروسي المكلف بمهمة “العملية الخاصة” التي بدأت في فبراير/ شباط 2022.
يمكن القول: إن صفحة بريغوجين طويت، لكن صفحة “فاغنر” قد تظهر بصورة جديدة، يقوم الكرملين وحده برسم تفاصيلها.