الشرق اليوم- لم تكن قمة كامب ديفيد الثلاثية يوم الجمعة الماضي، التي ضمت الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا ورئيس وزراء كوريا الجنوبية يون سوك يول، قمة عادية، فهي جمعت لأول مرة رئيسي حكومتي اليابان وكوريا الجنوبية اللذين تجاوزا حالة عداء تاريخية بين البلدين، فشلت كل الجهود السابقة في رأبها بسبب مظالم ناتجة عن 35 عاماً من الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية وما تسببت فيه من ممارسات وجرائم حرب، مثل العمل القسري وإدارة “نظام نساء المتعة” الذي شمل نحو 200 ألف امرأة، إضافة إلى محاولات طمس الهوية الكورية من خلال محاولة دمج الشعب الكوري بالحضارة اليابانية، ومنع استخدام اللغة الكورية في المدارس والجامعات، وإتلاف أكثر من 200 ألف كتاب حول التاريخ الكوري.
كل ذلك تم تجاوزه بين البلدين، حيث تمكن بايدن من جمع قادة البلدين تحت لافتة العداء للصين. لكن ذلك ليس بالأمر السهل، إذ إن طريق الصداقة بين طوكيو وسيؤول محفوف بالمخاطر والشكوك وعدم الثقة، إذ أظهراستطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” في مارس (آذار) الماضي، أن 64 في المئة من سكان كوريا الجنوبية يطالبون حكومتهم بعدم الاندفاع في مصالحتها مع اليابان دون تغيير في مواقف الأخيرة، وقال 8 في المئة فقط إن اليابان نادمة على ماضيها الاستعماري.
وتعقّب سو مي تري، وهي كورية الأصل وزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في مقال في صحيفة واشنطن بوست على قمة كامب ديفيد بالقول “إن القمة خطوة كبيرة باتجاه ترسيخ تحالف ثلاثي جديد يساعد الدول الثلاث على التعامل مع التحديات في المنطقة”، وتضيف “لكن ثمة تحديات لما يمكن أن تنجزه أكثر الدبلوماسيات براعة، إذ لا تنوي كوريا الجنوبية خسارة علاقاتها مع الصين، فهي أكبر شريك لها”.
لقد حاولت كوريا الجنوبية اتباع نهج مزدوج في علاقاتها مع كل من الصين والولايات المتحدة، حيث لعبت بكين دور الشريك الاقتصادي، فيما لعبت واشنطن دور الشريك الأمني، فقد بلغت القيمة السوقية للتجارة بين الصين وكوريا الجنوبية عام 1992 عندما أقام البلدان علاقات دبلوماسية بينهما 6 مليارات دولار فقط، أما الآن فقد بلغت أكثر من 300 مليار دولار، معظمها في قطاع التكنولوجيا.
يحاول بايدن فصل القضايا الاقتصادية عن القضايا الأمنية، من خلال الزج بكل من كوريا الجنوبية واليابان في صراعه مع الصين من خلال تعزيز العلاقات العسكرية بينهما على قاعدة مواجهة “عدو مشترك” وتعزيز الرؤية “لعالم حر”، و”احترام النظام الدولي القائم على القواعد”، أي حماية النظام الدولي الحالي الذي تنفرد الولايات المتحدة بقيادته، رفضاً للنظام متعدد القطبية الذي تسعى إليه الصين وروسيا.
وإذا كان القادة الثلاثة وافقوا على إجراء مناورات عسكرية سنوية، وعقد لقاءات سنوية بين مسؤولي الدول الثلاث، إلا أن هذه الخطوات تبقى أسيرة الماضي، إذ إن ترميم العلاقات بين سيؤول وطوكيو يحتاج إلى أكثر من قمة، وإلى ثقة معدومة بين البلدين لن تتكرس بمصافحة أو بيان.