الرئيسية / دراسات وتقارير / معضلة “التشكيلات المسلحة”: هدوء ليبيا لن يستمر طويلا

معضلة “التشكيلات المسلحة”: هدوء ليبيا لن يستمر طويلا

بقلم: كريمة ناجي- اندبندنت عربية
الشرق اليوم– هدوء حذر يسود شوارع العاصمة الليبية طرابلس، التي بدت الحركة فيها، أمس الأربعاء، خفيفة على غير العادة، وذلك على أثر اندلاع اشتباكات مسلحة بين قوتين أمنيتين خلفت أكثر من 55 قتيلاً وعشرات الجرحى، وفق إحصائيات مركز طب الطوارئ والدعم في ليبيا الحكومي.

توقفت الأعمال المسلحة، مساء أول من أمس الثلاثاء، إثر اتفاق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة مع أعيان منطقة سوق الجمعة، التي ينحدر منها آمر “قوة الردع” الخاصة عبدالرؤوف كاره على وقف إطلاق النار بتسليم آمر “اللواء 444” محمود حمزة، الذي اعتقلته قوة الردع ما تسبب في اندلاع اشتباكات طرابلس إلى جهة محايدة.

وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي أعلن عن تشكيل غرفة أمنية تعمل على فض الاشتباكات التي اندلعت شرارتها على خلفية اعتقال جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب التابع للمجلس الرئاسي آمر “اللواء 444” محمود حمزة، بمطار معيتيقة الدولي في طرابلس أثناء توجهه، الإثنين الماضي، إلى مدينة مصراتة لحضور حفل تخرج عسكري رفقة الدبيبة.

وسبق أن شهدت طرابلس في 28 مايو (أيار) اشتباكات بين قوة الردع و”اللواء 444″ على خلفية اعتقال الأولى أحد قادة الثاني.

مهام المجلس الرئاسي

أصدر رئيس المجلس الرئاسي القائد الأعلى للجيش الليبي محمد المنفي، الثلاثاء، تعليماته لجهاز الردع بإحالة آمر اللواء 444 محمود حمزة إلى رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، وأمر رئاسة الأركان والأجهزة الأمنية والعسكرية بعدم التحرك والتقيد بالأوامر وضرورة وقف إطلاق النار، على أن يشكل وزير الدفاع لجنة للتحقيق في الأحداث.

تحركات اعتبرها بعض المتخصصين في الشأن العسكري مستهلكة وتدل على التخبط الذي يواجه المجلس الرئاسي الذي فشل في مهمته كقائد أعلى للقوات المسلحة، وفق تعبيرهم، في حين أكد آخرون أنه لا يمكن حصر الفوضى الأمنية والانقسامات العسكرية في المجلس الرئاسي لأن صلاحياته محدودة.

وفي فبراير (شباط) 2021، أعلنت البعثة الأممية للدعم في ليبيا عن اختصاصات المجلس الرئاسي وفق المادة الثانية من الباب الخاص بالسلطة التنفيذية الموحدة المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي بجنيف القيام بمھام القائد الأعلى للجيش الليبي، والتعيين في المستويات القيادية به وفق التشريعات النافذة.

إضافة إلى إعلان حالة الطوارئ وقرار الحرب والسلم بعد موافقة مجلس النواب، واعتماد ممثلي الدول والهيئات الأجنبية لدى دولة ليبيا، إلى جانب إطلاق مسار المصالحة الوطنية، وتشكيل مفوضية وطنية عليا للمصالحة لتنفيذ المهام الواردة بالمادتين 2 و6 من خريطة الطريق، وتعيين وإعفاء السفراء وممثلي دولة ليبيا لدى المنظمات الدولية بناء على اقتراح من رئيس الحكومة وفق الاتفاق السياسي الليبي والتشريعات الليبية النافذة، والتصديق على البعثات الدبلوماسية الجديدة وغيره من المهام.

عوامل الفشل

المتخصص في الشأن العسكري عادل عبدالكافي يرى أن المجلس الرئاسي فشل في تنفيذ المهام الموكلة إليه وعلى رأسها أن يكون قائداً للقوات المسلحة الليبية. وقال “ذلك جلي من خلال تكرر الاشتباكات بين التشكيلات المسلحة وعدم امتثالها لأوامره ولعل قيام الأعمال المسلحة بين قوة الردع واللواء 444 في أقل من 4 أشهر أبرز دليل على ذلك”.

وأضاف عبدالكافي لـ”اندبندنت عربية” أن “المجلس الرئاسي كان بإمكانه النجاح في أن يكون قائداً للقوات المسلحة الليبية بخاصة أن أعضاءه قادرون على التحرك بين القطب الشرقي والقطب الغربي، عكس حكومة الدبيبة التي تتحرك في نطاق الجهة الغربية فقط، وعلى رغم ذلك لم يستغل المجلس الرئاسي هذه النقطة لحل هذه التشكيلات المسلحة والعمل على توحيد المؤسسة العسكرية وفلترتها من الخارجين عن القانون ومحاسبة من ارتكب جرائم حرب”.

وعلى مستوى التشكيلة العسكرية سواء بالغرب أو بالشرق، أكد الخبير العسكري أن “المجلس الرئاسي لم يتمكن من حلحلة الإشكاليات التي ورثها عن المجلس الرئاسي السابق برئاسة فايز السراج” الذي زرع بذرة التشكيلات المسلحة من خلال إصداره عديداً من القرارات التي ترتب عليها إعطاء كثير من الصلاحيات لعدد من التشكيلات المسلحة لتكون تبعيتها للمجلس الرئاسي مباشرة على غرار قوة الردع الخاصة”، مشيراً إلى أن هذا الإجراء خطأ لأنه من المفترض ألا توجد أي قوة عسكرية أو أمنية تتبع المجلس الرئاسي بصفة مباشرة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، بل يجب أن تكون تبعيتها للمؤسسات العسكرية الموجودة على غرار رئاسة الأركان العامة ووزارة الداخلية.

وبخصوص أبرز أسباب فشل المنفي في أن يكون قائداً للقوات المسلحة الليبية، أبرز عبدالكافي أن العامل الأساسي هو عدم وجود رؤية أو مشروع من شأنه أن يعمل على تحقيق الاستقرار وحلحلة الإشكاليات الأمنية والعسكرية. وأضاف أن المجلس الرئاسي هو المتسبب في استمرار الفوضى الأمنية والعسكرية بالدولة الليبية، لأنه لم يعمل منذ البداية على حل جميع التشكيلات المسلحة وتحجيم تغولها الذي مكنها من توسيع مناطق نفوذها لتكتسب بذلك رقعة جغرافية جديدة على حساب تشكيلات أخرى ما حول العاصمة السياسية إلى حلبة صراع مسلح على مدار السنوات الماضية.

وأوضح عبدالكافي أن الميزانيات التي ما زالت تصرف بشكل مباشر لهذه التشكيلات خارج الإطار المؤسساتي، مقابل تهميش دور رئاسة الأركان العامة التي أصبحت تعاني ضعفاً ترتب عليه عدم قدرة قياداتها من السيطرة على هذه التشكيلات المسلحة التي أصبحت الآن تشعل الصراع بين الحين والآخر لتحقيق مصالحها عبر توسيع المربع الأمني الخاص بها، مؤكداً أن هذه التطورات الأمنية من شأنها أن تربك الوضع الداخلي للدولة الليبية وتؤثر في سير العملية الانتخابية التي ستفشل لو استمر الوضع بهذا الشكل.

تركة ثقيلة

وقال عبدالكافي “من سيأتي بعد الانتخابات التشريعية أو الرئاسية سيرث على كاهله حملاً ثقيلاً سيضعف بدوره أداء الحكومة ورئيس الدولة، في حال نجاح الاستحقاق، لأنه كان من المفترض على مختلف الأجسام السياسية التي مرت على دواليب الحكم في ليبيا أن تقوم أولاً وبصفة استعجالية بسلب صلاحيات التشكيلات المسلحة وتحديد مهامها وإدماج العناصر الصالحة منها للخدمة العسكرية تحت راية وزارة الداخلية أو رئاسة الأركان العامة”.
وأوضح أن “تقصير المجلس الرئاسي في تلك الخطوة أدى إلى تغول هذه المجموعات المسلحة على القرار السياسي والاقتصادي، وابتزاز الجهات الفاعلة في الدولة كالمجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة، وعدم الامتثال لأوامرهم، فعلى سبيل المثال معسكر الرجمة بالشرق الليبي بمختلف قياداته لا ينصاعون للمجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ولا للقرارات التي نتجت عن التوافقات بين القطب الغربي والقطب الشرقي، بل إن الحال وصلت بهم للقيام بتحركات عسكرية وتهديدات بدعم من مجموعة فاغنر الروسية التي تحتل قاعدة الجفرة وبراك الشاطئ (الجنوب)، وقاعدة القرضابية المحاذية لمدينة سرت (وسط)”.

صلاحيات محدودة

من جهته قال السفير الليبي السابق بالسويد إبراهيم موسى قرادة، إن اندلاع القتال الأخير الذي شهدته العاصمة طرابلس وخلف حصيلة ثقيلة في الأرواح والجرحى والممتلكات، يصعب إرجاعه إلى إخفاق “المجلس الرئاسي” في مهامه كقائد أعلى للقوات المسلحة على رغم صحة تمتعه بصفة القائد الأعلى للجيش.

وأضاف قرادة أن مهمة قيادة القوات المسلحة ورثها مجلس المنفي من المجلس الرئاسي السابق برئاسة فائز السراج وهي نتاج للهندسة السياسية المختلة “لاتفاق الصخيرات” (تم توقيعه في ديسمبر (كانون الأول) 2015 بالمغرب ونتجت عنه حكومة فائز السراج) غير أنه بعد “واقعة جنيف” تم تقسيم السلطة التنفيذية بين المجلس الرئاسي والحكومة، ولم يترك للمجلس الرئاسي إلا صلاحيات محدودة من دون أذرع تنفيذية أو مالية مما جعل أثر صلاحياته محدودة أمام الأطراف الأخرى.

وأشار السفير الليبي السابق إلى أن “المجلس الرئاسي كقائد أعلى يعاني قلة الحيلة وحساسية الوضع أمام واقع الانقسام العمودي والجغرافي للمؤسسة العسكرية بين تجمعين أحدهما في الشرق والآخر بالغرب”، مشيراً إلى أن “ما يزيد من ضعفه عدم تحكمه أو تأثيره في ميزانية الدفاع، إضافة إلى أن التوليفة الثلاثية لرئاسة المجلس وفق الجهويات الثلاث (برقة، طرابلس، فزان) تسهم في تقييده”.

ويرى قرادة أن “الإشكالية الأهم لا تتمثل في إخفاق المجلس الرئاسي أو الحكومة أو الجهازين التشريعيين (مجلس النواب ومجلس الدولة) بل في الهندسة السياسية الماكرة للاتفاق السياسي المسير للمرحلة (اتفاق جنيف)”، وفق تعبيره.

ونوه بأن القتال الذي شهدته طرابلس، أخيراً، سيلقي بظلاله السلبية على الحكومة والمجلس الرئاسي، وكذلك بعض من الأطراف المخاصمة للحكومة والتي تطمح للاستفادة من استمرار الوضع الراهن الهش، وبالمثل بعض الأطراف الإقليمية والدولية، فالارتجاج الأخير وفي ظل التوترات في السودان والنيجر ودول الساحل ووجود فاغنر الروسية بالشرق الليبي، جميعها عناصر تشعل “لمبة” حمراء بأخطار يصعب التكهن بمداها.

وقال إن الصراع الأخير بين “قوة الردع” و”اللواء 444″ كشف عن أن القاعدة الاجتماعية السياسية (الجهوية والقبلية) يبقى لها كلمة بالأحداث المفصلية، في ظل إصرار وتزمت المتحكمين في المشهد على تقزيم أي عمل سياسي.

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …