بقلم: محمد صلاح – النهار العربي
الشرق اليوم– كلما حدث تطور دراماتيكي في مصر، تساءل البعض عن المصير الذي يمكن أن يؤول إليه ذلك البلد، وليس هناك الآن أهم من التفاعلات ذات العلاقة بالانتخابات الرئاسية المُتوقع أن تُجرى في ربيع العام المقبل، وطبيعي كلما اقترب الموعد أن تتصاعد حملة تنظيم “الاخوان المسلمين” الإرهابي ضدّ الحكم عموماً والرئيس عبد الفتاح السيسي خصوصاً. والمتابع لمنصّات التنظيم الإعلامية سيشعر وكأنّ هناك بلداً آخر غير مصر التي يعرفها المصريون، وسيدرك أنّ هناك تسخيناً لمحاولة التأثير في الانتخابات قبل أن يحلّ موعدها.
المواطن المصري منذ عقود لم يكن قط منتعشاً أو مزدهراً يتمتع بالمستوى المعيشي المرتفع، والحديث عن ارتفاع الأسعار والغلاء وضعف المدخول يمكن أن تطالعه إذا وقعت في يديك نسخة من صحيفة صدرت قبل 5 أو 9 أو 20 أو 30 عاماً، فلا جديد في الأمر، إلاّ أنّ الأمل يحدو المصريين في وضع نهاية لمعاناتهم. ومن يجول ربوع مصر سيرى كيف تحسنت الطرق والخدمات وظهرت مناطق صناعية وزراعية جديدة.
دعك من المشاريع الكبيرة الضخمة في قناة السويس الجديدة، أو العاصمة الإدارية الجديدة، او مدينة العلمين او منتجع الجلالة او تطوير القطارات او آلاف الكيلومترات من خطوط سكك الحديد. انظر في وجوه الناس، من غير “الإخوان”، واسمع كلام المصريين ستجد لديهم شكاوى ذات العلاقة بالأمور الحياتية، أو حتى طريقة إدارة الحكم، أو تصريحات لمسؤولين غير منضبطة مثيرة للاستفزاز، او قلّ السخرية، لكن ستُفاجأ بأنّ من بينهم من يسأل: لماذا لم ينهِ السيسي وجود “الإخوان” حتى الآن؟!
هي مصر واحدة، لكن أحياناً تشعر وأنت تتابع بعض ما يُكتب في مواقع “الإخوان” وحلفائهم، أو يُبث في القنوات التابعة للجماعة او تدعمها، أو يُروّج عبر بعض الصحف الغربية المعروف أنّ “الاخوان” تمكنوا من اختراقها عبر عقود، أنّ مصر تعيش فوق صفيح ساخن، وأنّ فوهة البركان ستنفجر وتخرج منها حمم كتلك التي انكوى المصريون بنارها في (يناير) 2011. هناك ايضاً على خلفية اقتراب موعد فتح باب الترشيح للانتخابات كتّابٌ عرب، وبدافع حبهم لمصر وأملهم في وضع حدّ لمعاناة المصريين وأن يستقرّ البلد وينتقل إلى حال أفضل، يعرضون وجهات نظرهم في ما يعتبرونه “الأزمة المصرية”، ويقدّمون نصائح بهدف حلّ بعض المشاكل التي يعتقدون أنّها تعوق مصر أو تهدّد مستقبلها. ويبدو في كتابات هؤلاء المحبين أو آرائهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، إلى أي مدى يتمنون الخير لمصر والمصريين. ولكن يظهر أيضاً أنّ بعضهم ربما يكتبون عن مصر أخرى غير تلك التي تعرفها وتعيش فيها، إذ يصدّقون بوجود صراع بين “الإخوان” في مصر والحكم، رغم أنّ كل الوقائع والأحداث والتطورات والتداعيات، منذ حَكَم “الإخوان” مصر وإلى الآن، تشير إلى أنّ المواجهة هي بين الجماعة وباقي الشعب المصري، وأنّ حدّة تلك المواجهة خفّت كثيراً، وأنّ الحقيقة التي يدركها “الإخوان” أنفسهم أن لا وجود لهم على أرض الواقع، وفشلت دائماً الدعوات التي يُطلقها قادة التنظيم في الخارج إلى التظاهر او الاعتصام او إثارة الاضطرابات.
عموماً فإنّ هؤلاء المحبين يقدّمون النصح للقائمين على الحكم أو النخب السياسية في مصر أو الطبقات الاجتماعية أو الشخصيات العامة، وقد تأثروا بالآلة الإعلامية الضخمة لـ “الإخوان” المنتشرة في العالم، إضافة إلى الصورة النمطية التي يروّج “الإخوان” لها على أساس أنّ المواجهة هي بين الجيش والجماعة! او أنّ المشاكل الحياتية والأزمات المعيشية وأوجاع الحالة الاقتصادية أمور قد تتطور إلى إعادة سيناريو 2011.
الواقع المصري يؤكّد أنّ من يصل إلى نتيجة كتلك، أو يبني تحليلاته أو رؤاه على أنّ هذا هو الوضع، يكون ابتعد كثيراً من الواقع المصري الحقيقي، ووقع ضحية للنظرية التي يروّج لها “الإخوان” على مدى أكثر من عقد، وهي أنّ الأزمة مع الجماعة والتنظيمات الإسلامية المسلّحة المتحالفة معها، والفارين من النشطاء ممن تحالفوا مع ذلك التنظيم الارهابي، يمكن أن تُحلّ وتنتهي إذا حدث توافق ما أو صفقة بعينها مع نظام الحكم الذي يترأسه السيسي، وأنّ “الإخوان” لديهم القدرة على شلّ حركة البلاد والإبقاء على حال الفوضى عند المعدّل الذي يرغبون فيه، أو أنّ البلاد على شفا حرب أهلية على أساس أنّ المجتمع منقسم ما بين مؤيّدين للإخوان خصوصاً والإسلاميين عموماً، وبين مؤيدي السيسي، وأنّ أجهزة الدولة تحتاج “الإخوان”، والمشاريع في انتظار طائر نهضتهم، والناس لا يأكلون ولا يشربون بفعل الاحتقان السياسي، وأنّ استمرار الحال على ما هي عليه يُنذر بسقوط مصر كما سقطت دول أخرى من حولها مرّ عليها إعصار الربيع العربي!!
الكلام هنا لا ينطبق أبداً على الكتّاب والمحلّلين العقائديين المنتمين الى “الإخوان”، أو الجهات أو الجماعات أو الدول المتعاطفة معهم. فردود فعل هؤلاء تجاه ما يحدث في مصر كلها متشابهة، إلى درجة مثيرة للسخرية منها. فما أن يقع حادث أو يصدر قرار ما ويُبدأ في رصد ردود الفعل المتتالية من جانب رموز “الإخوان” وحلفائهم، فتأتي وكأنّها صادرة من مكان واحد وقد أُمليت عليهم ليقولوها!! وبالتالي لا مجال للنقاش حول رؤى المحلّلين العقائديين الذين يغلّبون الانتماء السياسي على المنطق، أما الآخرون من المحبيّن لمصر والذين تأتي أحكامهم ورؤاهم أو وجهات نظرهم بعيدة من الواقع، فيحتاجون إلى زيارات لمصر كي يروا الأمور على أرض الواقع، وليس كما ينقلها إعلام “الإخوان”، ويعجز إعلام الدولة العام والخاص عن عرضها لانشغاله بأمور تافهة أو ليس لها جدوى.
الإرهاب الذي عانته مصر في العقدين الأخيرين من القرن الماضي كان أكبر وأكثر تأثيراً مما جرى أثناء الربيع العربي وبعده، ولأنّ نَفَس الدولة دائماً اطول من أنفاس الإرهابيين كانت النهاية دائماً في مصلحة الدولة. وبالنسبة إلى “الإخوان” فإنّ أفعالهم بعد صدامهم مع عبد الناصر العام 1954، وما حدث بعدها، يفوق في تأثيره ما يحدث حالياً، خصوصاً أنّ الجماعة وقتها لم تكن حكمت البلد ولا أظهرت مساوئها ولا تورطت في قتل معارضين أو حصار مخالفين.
بالنسبة إلى الاقتصاد فإنّ مصر تدفع ثمن ركود سنوات من الربيع العربي وأزمات دولية وإقليمية وغياب الكوادر والكفاءات التي جرى تجريفها، لكنها تجني ثمار بقائها موحّدة، وينتظر أهلها نهايةً للمعاناة.