الرئيسية / مقالات رأي / نافذة على كوريا الجنوبيّة: من أفقر دول آسيا إلى إحدى أغنى دول العالم

نافذة على كوريا الجنوبيّة: من أفقر دول آسيا إلى إحدى أغنى دول العالم

بقلم: سلوى أبو شقرا- النهار العربي
الشرق اليوم– في 15 آب (أغسطس) 1948، تأسست جمهورية كوريا الجنوبية رسمياً، بعد سنوات من الاحتلال والصراع السياسي الياباني- الصيني – الأميركي الذي طغى على البلد. بعد استقلالها عن اليابان، اندلعت الحرب بين الكوريتين لتحصد أكثر من 50 ألف قتيل وخمسة ملايين مصاب، جاعلة البلاد تواجه مشكلات اقتصادية مدمرة. فماذا جرى لتصبح ما هي عليه الآن؟ ثلاثة أسباب هي: التعليم، والاقتصاد، والمجتمع. فمنذ نشأتها شهدت كوريا الجنوبية تطوراً كبيراً في التعليم والاقتصاد والثقافة. وتحولت من إحدى أفقر دول آسيا إلى إحدى أغنى دول العالم. توسع التعليم، لا سيما على مستوى التعليم العالي، توسعاً كبيراً.
لبنان كذلك تأسس عام 1943 بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. 5 سنوات تفصل بين البلدين في التأسيس، غير أنَّ واحداً قرر الانطلاق ليصبح من أهم اقتصادات العالم ذات التأثير الكبير في قطاعات مختلفة مثل: بناء السفن والإلكترونيات، السيارات، والمنسوجات، والحديد والصلب. فيما ما زال لبنان يرزح تحت وطأة صراعات سياسية اقتصادية دينية مجتمعية مفتعلة، تجعله يخسر هو وأبناؤه كل الفرص لعيش كريم.

كانت كوريا في مرتبة متأخرة للغاية في كل مؤشرات النمو الاقتصادي، حتى أن دولاً مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية، وكذلك الفلبين، كانتا متفوقتين عليها في ستينات القرن الماضي. لكنها بدأت برنامجاً لإصلاح نظامها التعليمي فيما كانت تواجه خلال الأربعينات والخمسينات أزمات اقتصادية حادة للغاية، جعلت سكانها يواجهون الجوع.

بين عامي 1962 و1979 ترأس البلاد الرئيس بارك تشونغ هي الذي يعتبره كثيرون بمثابة مُؤسس الدولة الكورية الحديثة، ساهمت خططه بتحويل اقتصاد بلاده من اقتصاد محلي قائم على الصناعات البدائية والزراعة إلى آخر دولي قائم على الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي. وصل تشونغ هي إلى السلطة نتيجة انقلاب عسكري، واتبع سياسة صارمة وحظر جميع الأحزاب السياسية، ما سمح لهذه الإجراءات بالتركيز الكامل على الازدهار الاقتصادي للبلاد وتحويل الإنتاج للتصدير. عام 1979 اغتيل تشونغ هي بعد حوادث دموية في انتفاضة أطلق عليها اسم “غوانغجو”، أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا. إلى أن وصل عام 1987 وقد أصبحت كوريا الجنوبية جمهورية ديموقراطية برلمانية بعد تعديل دستوري.
مع تولي الرئيس كيم داي يونغ (1998 – 2003) السلطة في كوريا الجنوبية، بدأ خطته الخمسية لتسويق الموجة الكورية خارج كوريا، لتبدأ كوريا مرحلة جديدة من الاكتفاء الذاتي، فتبدَّل معدل نمو الناتج القومي وأُنشئت “الوكالة الكورية للتعاون الدولي” التي تعمل في 27 دولة وهدفها الحد من الفقر وتقديم المساعدات الإنسانية. وبهذه الخطوة انتقلت كوريا الجنوبية من مرحلة تلقي المساعدات إلى مرحلة منحها للآخرين، فسيول لا تزال تذكر معاناتها منذ عقود وتسعى ليتجنبها الآخرون، بعدما أصبحت كوريا الجنوبية عضواً مميزاً في “نادي أغنياء” العالم. كما سعت إلى التركيز على المنتجات الثقافية المتمثلة في الدراما والأغاني لتتخطى المسلسلات والفرق الغنائية الكورية حدود هذا البلد.

مثال معاكس تماماً للبنان الذي واجه ولا يزال أسوأ أزمة اقتصادية اجتماعية منذ عام 2019، من تضخُّم، وشحّ في المياه وتقنين للكهرباء، في ظل غياب تام للنقل العام وارتفاع في أسعار الوقود، وتحول الدواء إلى السوق السوداء والطبابة والتعليم إلى رفاهية.
قد تكون السنوات العمرية متشابهة بين كوريا الجنوبية ولبنان، غير أنّ الأولى حكمها مسؤولون يملكون استراتيجيات وطنية ارتقت بالبلاد والناس، فيما المسؤولون في لبنان سعوا إلى تدمير الاقتصاد وتهجير الأبناء!

تناقض صارخ يجعلك تتساءل عن أسباب الإذلال اليومي المفتعل في وطنك، ما يشعرك أنك خضت تدريباً عسكرياً قاسياً للتكيف مع أبسط حقوق المواطنين في أصقاع العالم.

شاهد أيضاً

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

العربية- أمير طاهري الشرق اليوم– كيف ستبدو السياسة الخارجية لترمب في ولايته الثانية؟ يثير هذا …