الشرق اليوم- سحبت الحكومة السورية في دمشق، البساط من تحت أرجل المشككين بموقفها حيال إيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها في شمال غرب البلاد، إثر توصلها إلى تفاهم مع الأمم المتحدة، يسمح بتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى لمدة ستة أشهر، بعد أيام قليلة من إخفاق مجلس الأمن في التوصل إلى قرار بشأنها.
وكانت الحكومة السورية وافقت قبل ذلك بوقت قصير على السماح بإدخال المساعدات عبر معبري باب السلام والراعي ثلاثة أشهر إضافية، وهما معبران سمحت بهما الحكومة السورية طواعية، بعد كارثة زلزال فبراير/شباط الماضي. وفي الحالتين كانت دمشق، التي دائماً تُتهم بالعرقلة، هي صاحبة المبادرة في تسهيل عملية إيصال المساعدات عبر الأمم المتحدة، وهو ما استدعى ترحيباً من الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس، والمجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن دمشق لم تسلم من الانتقادات في بعض عواصم الغرب التي دأبت على ذرف دموع التماسيح إزاء ملايين السوريين في شمال غرب البلاد، وتوجيه الاتهامات إلى الحكومة بعرقلة و”تسييس” قضية المساعدات، إلى حد إجهاض مبادرة حكومية سورية، جاءت مباشرة بعد فشل آخر محاولة لمجلس الأمن في يوليو/تموز الماضي، لتمديد آلية المساعدات، بذريعة تهميش مجلس الأمن، ووجود شروط سورية “غير مقبولة”.
أما الشروط التي عدّها الغرب “غير مقبولة”، فهي تتمحور حول عدم إجراء الأمم المتحدة اتصالات مباشرة مع الجماعات المسلحة في تلك المنطقة التي تخضع عملياً ل”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، والمصنفة دولياً وأممياً على أنها جماعة “إرهابية”، ومطالبة دمشق بالتنسيق معها في إدخال المساعدات على الرغم من بقائها تحت إشراف الأمم المتحدة. الحقيقة أن دمشق كانت تطالب منذ بدء إنشاء آلية الأمم المتحدة لإدخال المساعدات في 2014، بالتنسيق معها في عملية إدخال المساعدات، لكنها ووجهت بالرفض، بذريعة عدم إضفاء “الشرعية” على الحكومة السورية.
يحسب لدمشق توصلها إلى تفاهم مع الأمم المتحدة، بعد انهيار العملية برمتها، ما يؤكد موقف دمشق المسؤول تجاه شعبها من دون تمييز. وفي النهاية، من حق الدولة السورية، تأكيد سيادتها على معابرها، وبسط هذه السيادة على كل أراضيها. وقد أثبتت بالفعل، عبر اتفاقها الأخير مع الأمم المتحدة، أنها حريصة على شعبها، سواء كان في المناطق الخاضعة لسيطرتها أو تلك الخارجة عنها. ففي النهاية هناك شعب سوري واحد، ودولة سورية واحدة، لكن لا يجوز وضع الرؤوس في الرمال، وتجاهل وجود أزمة سورية مستمرة منذ نحو 12 عاماً، وتحتاج إلى حل، وبالتالي فإن من يدعي الحرص على الشعب السوري، عليه أن يدفع جهود التسوية السلمية إلى الأمام، بدلاً من عرقلة هذه الجهود، والإصرار على خلق الأزمات، وتكريس الانقسام بين أبناء الشعب الواحد. وعليه أن يتوقف عن منع اللاجئين من العودة لأسباب محض سياسية، وعليه إنهاء سياسة العقوبات، والسماح بإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتقديم المساعدات لهذا البلد المنكوب؛ كي يتمكن من النهوض مجدداً، واستعادة دوره الإيجابي إقليمياً ودولياً.
المصدر: صحيفة الخليج