بقلم: بلال صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– بين كل التحديات لـ”رؤية 2030″ السعودية، خطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لعصر ما بعد النفط، يمكن القول إن لا خطر أكبر من تهديد إيران للأمن القومي السعودي. ولتأمين نجاح الخطة، على محمد بن سلمان أولاً وقبل كل شيء حماية المملكة، الأمر الذي لن يتطلب تعزيز دفاعاتها ضد المزيد من الهجمات الإيرانية والحوثية فحسب، ولكن أيضاً إنشاء مستوى من الردع ضد طهران.
في مقالتي هذه، أناقش وأقيّم خيار الردع السعودي من خلال الدبلوماسية، مجادلاً بأن هذا الخيار، وإن يكن ليس مثالياً، إلا أنه ربما الرهان السعودي الأمثل في الوقت الحاضر للحفاظ على الهدوء. ولكن للحفاظ على الهدوء على المدى البعيد، لا بديل للسعودية من تطوير قدرات عسكرية أكثر فاعلية.
الردع عبر الدبلوماسية نهج قديم عمره من عمر الحروب بين الدول. إنه أداة رخيصة، أو على الأقل، أقل كلفة من الحرب، وإذا استخدم استخداماً صحيحاً، يمكن أن يحقق فعالية عالية. والفكرة بسيطة: من خلال التحدث مع خصمك ومحاولة إدارة أو حل خلافاتكما عبر المساومة والتنازلات المتبادلة، فإنك تتجنب الحرب. وتكمن الحيلة بالطبع في كيفية وصول الطرفين إلى “نعم” عادلة ومستدامة.
حتى الآن، لم تنخرط الرياض في مفاوضات رسمية مع طهران لتبديد مخاوفها الأمنية. ولطالما التزمت السعودية موقفاً مفاده أن التحدث مع خصم له سجل حافل بالعدوان والنيات السيئة لا فائدة منه. ولكنها بينما كانت تسعى لإنهاء حربها المكلفة في اليمن، وتشهد سحب الولايات المتحدة قواتها من العراق وأفغانستان وتقليص انخراطها في المنطقة، بدأت حساباتها بشأن التفاوض مع إيران تتبدل. وبدأ نوع من الإلحاح ينشأ في الرياض. ولم يشن المتمردون الحوثيون مقاومة فعالة ضد المجهود الحربي السعودي فحسب، بل قاموا أيضاً بمهاجمة المدن والمطارات السعودية.
بدأ السعوديون في نيسان (أبريل) الانخراط في محادثات مع نظرائهم الإيرانيين في بغداد بشأن سلسلة من المسائل بينها، خصوصاً، الدعم العسكري الذي تقدمه طهران للحوثيين. والتقى الجانبان في خمس جولات على مدى سنتين، وفي آذار (مارس) 2023، أعلنوا اتفاقاً رعته بكين، لتطبيع العلاقات بينهما (السعودية قطعت علاقاتها مع إيران في كانون الثاني 2016 بعد اقتحام منشآت دبلوماسية سعودية في طهران على خلفية إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر).
وحتى كتابة هذه السطور، مضى أكثر من خمسة أشهر على توقيع الصفقة السعودية الإيرانية، لكن لا أحد يعرف ما هي الاتفاقات، إن وجدت، التي توصلت إليها الرياض وطهران بشأن الأمن.
وهناك لغة في الاتفاقية الثنائية حول عدم التدخل في شؤون دول المنطقة، لكنها لغة عامة وغير ملزمة. ففي شأن اليمن على سبيل المثال، لا شيء يلزم إيران قانوناً وقف مساعدتها العسكرية للحوثيين، ولم تقل إيران أصلاً إنها ستفعل ذلك. ومع أن وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه الحوثيون والسعودية في نيسان (أبريل) 2022 ساري المفعول حتى الآن، لكنه قد ينهار في أي لحظة إذا قرر الحوثيون توسيع سيطرتهم على الأراضي. وحتى لو كان لإيران دور في تسهيل الهدنة، فمن غير الواضح ما إذا كان بإمكانها منع الحوثيين من شن هجمات جديدة ضد أهداف مدنية سعودية.
المطلب المركزي للسعودية من التقارب مع إيران هو وقف المزيد من الهجمات ضد المملكة، سواء الهجمات المباشرة أو من خلال الوكلاء الإقليميين. من ناحية أخرى، تريد إيران أموالاً من السعودية للتخفيف من مشكلاتها الاقتصادية العميقة. في الواقع، تسعى إيران للحصول على أموال سعودية وربما خليجية لدعم اقتصاد كان مصدر اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق (قال السعوديون إنهم قد يستثمرون في إيران ولكن في ظل الظروف المناسبة).
ومع أن إغراء طهران بالتطبيع والاستثمارات الاقتصادية والقبول الدبلوماسي بحكومة الأسد قد يجلب هدوءاً مؤقتاً، فمن غير المرجح أن يغير البيئة الاستراتيجية أو يبدد مخاوف السعودية بشأن إيران.
وبغض النظر عن الوعد (أو عدم الوعد) بالدبلوماسية مع إيران، لا بديل للقدرات المحلية للدفاع والردع. هذه هي القاعدة الأولى للصمود في العلاقات الدولية، خاصة في البيئات الخطرة مثل الشرق الأوسط. وعلى المسؤولين السعوديين أن يعطوا الأولوية لاعتماد أكبر على الذات، وأن يطوروا، محلياً وبالتعاون مع شركاء دوليين، قدرات عسكرية أكثر فعالية لردع إيران. إنها لعبة طويلة الأمد، لكنها إلزامية حتماً.