الشرق اليوم- مرت ثلاث سنوات على انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص علاوة على آلاف الجرحى، والذي يعد واحداً من أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، من دون معرفة الأسباب الحقيقية لهذه الكارثة على وجه الدقة، أو كشف المتورطين فيها والمسؤولين عنها، وتقديمهم إلى العدالة التي لا تزال مغيّبة حتى الآن.
خلال هذه السنوات الثلاث، جرت مياه كثيرة في نهر الأحداث التي واكبت أيضاً سلسلة أزمات وانهيارات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية غير مسبوقة، جرّاء الفساد المستشري منذ عقود في معظم أجهزة الدولة على يد الطبقة السياسية المتنفّذة. فقد عملت هذه الطبقة، سواء كانت داخل السلطة أو خارجها، كل ما بوسعها على طمس الحقيقة، وعرقلت أي تحقيق جدّي يسمح بكشف المسؤولين عن هذه الكارثة، أياً كان موقعهم وانتماءاتهم، وتقديمهم إلى العدالة، بذريعة “التسييس”، كما منعت أي تحقيق دولي بذريعة عدم المساس بالسيادة، خوفاً من انكشافهم أمام الرأي العام والمجتمع الدولي.
ورغم أنين الجرحى واحتجاجات أهالي الضحايا بين الحين والآخر، تم تنحية قضاة التحقيق العدلي الواحد تلو الآخر، عند اصطدامهم باستجواب كبار المسؤولين، ما أغرق التحقيق في متاهات السياسة، وأحدث فوضى قضائية هددت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، أدت في النهاية إلى تجميد التحقيق وإطلاق سراح جميع الموقوفين. هكذا بقيت شمس الحقيقة مغيّبة ومعها العدالة التي ينشدها الجميع، غير أن حقيقة وحيدة انكشفت أمام الجميع في لبنان وهي أن القضاء نفسه «مسيّس»، وأنه في بلد مثل لبنان يقوم على الطائفية و”المحاصصة”، لا يسمح بتوجيه أصابع الاتهام إلى أي شخص كان، لأن طائفته ستعتبر أن الاتهام موجّه لها وستهب للدفاع عنه، سواء كان مذنباً أو بريئاً، وبالتالي ليس مستغرباً أن تبقى الحقيقة مغيّبة والعدالة مفقودة. لكن المستغرب أن يذهب بعض المسؤولين للقول بأن تأخير كشف الحقيقة يتعلق بغياب الدولة، فهو عذر غير مقبول، لأن الفراغ الرئاسي والتشريعي والشلل الحكومي، حدث منذ نحو تسعة أشهر مع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، فيما كانت مؤسسات الدولة قبل ذلك تعمل رغم كل الأزمات المتراكمة. ومع ذلك لم يحدث أي تقدم في تحقيقات كارثة المرفأ، بل كان يجري العمل على عرقلتها ومنعها بشتى الوسائل. ولم يكن هناك من يأخذ صرخات اللبنانيين على محمل الجد، فإلى أين يذهب المنكوبون، وإذا كان غريمك القاضي.. فلمن تشتكي؟؟
معضلة اللبنانيين تكمن في نظامهم السياسي والطائفي أولاً، ووصولهم إلى مرحلة بات فيها “التعايش” في موضع شك، وبالتالي يجدر بالقوى السياسية التخلي عن أوهام الاستقواء بالخارج والعودة للبحث عن القواسم المشتركة، والتوافق الداخلي تحت سقف الولاء للوطن الواحد والموحد بمعزل عن الطائفية و”المحاصصة”، وعندها سيتم انتخاب رئيس للبلاد وتعود عجلة المؤسسات للدوران، ويتم تطهير السلطة القضائية من الفساد والتسييس، وعندها أيضاً يمكن أن تظهر الحقيقة ويُساق المسؤولون عن هذه الكارثة إلى القضاء وتتحقق العدالة للجميع.
المصدر: صحيفة الخليج