بقلم: طارق الشامي – النهار العربي
الشرق اليوم– لم تمنع المحاكمة ولا حتى السجن عدداً من القادة السياسيين حول العالم من العودة إلى مناصبهم على رأس الدولة، وهو ما يبدو أنه مع عوامل أخرى يمنح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب قدراً واسعاً من الأمل للسير على النهج نفسه من خلال استراتيجية للعودة إلى المنصب الرئاسي وتفادي السجن والمحاكمات، وهي استراتيجية ترتكز على الرغبة في الانتقام وإدارة حملة انتخابية قائمة على تعظيم الشعور بالظلم وترسيخ فكرة المطاردة السياسية من خصومه وما يسميه الدولة العميقة، فهل تؤثر هذه الحملة في الناخبين؟ وما مصير محاكمات ترمب إذا نجحت استراتيجيته وعاد إلى البيت الأبيض؟
مظلومية تاريخية
كما كان متوقعاً، دفع الرئيس السابق دونالد ترمب أمس الخميس بأنه غير مذنب في التهم الأربع التي وجهها له المدعي الخاص جاك سميث في محاولته لإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وهو ما فعله في الاتهامات التي واجهها في كل من نيويورك وفلوريدا، بينما يتوقع أن يفعل الشيء ذاته في لائحة اتهامات أخرى منتظرة قريباً في ولاية جورجيا حول تدخله في الانتخابات الرئاسية عام 2020 التي جرت بالولاية.
لكن ترمب كان حريصاً قبل وبعد جلسة الاستماع في المحكمة على تكثيف خطاب المظلومية بحديثه عن الاضطهاد السياسي وفساد واشنطن، وهو أمر لم يفارق الرئيس السابق وقطاعاً واسعاً من مؤيديه منذ بدء التحقيقات معه، بل تم توظيف خطاب المظلومية في الحملات الرئاسية بشكل غير مسبوق في التاريخ الأميركي، إذ لم يجعل أي منافس بارز على ترشيح حزب كبير تظلماته الشخصية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية محوراً أساسياً لترشحه للرئاسة، وفقاً لما يقوله أستاذ العلوم السياسية بجامعة واشنطن جيمس لونغ.
العين بالعين
وبالإضافة إلى استراتيجية المظلومية ولعب دور الضحية بدا أن ترمب يتوعد بتطبيق مبدأ “العين بالعين” عبر استخدام آلية الحكومة لمعاقبة أي شخص يحاول محاسبته إذا فاز بانتخابات العام المقبل 2024، حين وعد بمعاقبة خصومه وأعدائه، بدءاً من المدعين العامين في وزارة العدل إلى المدعين في ولايتي نيويورك وجورجيا، بل وعائلة بايدن والجمهوريين في الكونغرس الذين لا يساعدونه.
على سبيل المثال قال ترمب للمشاركين في المؤتمر السنوي للعمل السياسي المحافظ خلال مارس (آذار) الماضي، “أنا من سيحقق لكم العدل، أنا من سيعاقب وينتقم من أجلكم”، ثم تعهد بالقضاء التام على ما يسميه “الدولة العميقة”.
ووفقاً للباحثين الذين يدرسون الديمقراطية والسلوك الانتخابي والفساد السياسي على مستوى العالم مثل أستاذ العلوم السياسية بجامعة واشنطن فيكتور مينالدو، فقد أصبح تسييس الملاحقات القضائية شائعاً بشكل متزايد، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في عديد من الدول الأخرى، حيث يمكن للنفوذ السياسي أن يطغى على المقاضاة، ويمكن للمرشحين الذين يخضعون للتحقيق الاستفادة من قوتهم السياسية للترشح لمنصب واستخدام ذلك كوسيلة لتجنب الملاحقة القضائية.
تجنب السجن
ينظر ترمب وحملته إلى فوز 2024 على أنه فرصة لزيادة قوة السلطة التنفيذية بشكل كبير لملاحقة “الدولة العميقة” التي حققت مع الرئيس السابق وحلفائه، وفي حالة فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة، سيكون بإمكانه تعيين المدعي العام الذي سيتبع إرشاداته ويعلق المحاكمات التي يقدمها المستشار الخاص، كما يمكنه ببساطة العفو عن التهم الفيدرالية الموجهة إليه، وكذلك السعي إلى تجنب المحاكمة أو السجن من خلال التذرع بقاعدة وزارة العدل التي تنص على أن الرؤساء لا يمكن أن يخضعوا إلى لوائح اتهام جنائية فيدرالية أو أن يودعوا السجن أثناء خدمتهم في مناصبهم، على رغم أن أي شخص يمكنه الترشح للرئاسة ويتم انتخابه، حتى لو كان متهماً أو داخل السجن.
وبحسب الخبراء فإن الاستراتيجية القانونية الجديدة لترمب تتمثل في محاولة تطبيق ذلك أيضاً على الولايات القضائية في كل من نيويورك وجورجيا، وتمتد إلى أن أي محاولة للطعن في دستورية مثل هذه الإجراءات بما في ذلك العفو عن نفسه، وعزل المدعي الخاص، وإنهاء لوائح الاتهام الحكومية والمحلية، ستنتهي بلا شك إلى المحكمة العليا التي يسيطر عليها المحافظون، مما يشير إلى أنها قد تحكم لصالح ترمب، وفقاً لدراسات قانونية سابقة أشارت إلى أن المحكمة ستعتبر في الأقل بعض هذه الإجراءات دستورية.
وتشبه هذه الاستراتيجية ما حدث مع بنيامين نتنياهو في إسرائيل، الذي شغل منصب رئيس الوزراء خلال محاكمات الفساد الخاصة به، وبعد أن فقد منصبه عام 2021 عاد إلى السلطة مرة أخرى في 2022 أثناء توجيه الاتهام إليه، إذ سعى وحلفاؤه في البرلمان إلى إصدار تشريعات لإضعاف استقلالية المحكمة العليا، بينما وعد هو وحلفاؤه بملاحقة المدعين العامين السابقين والمدعين العامين الآخرين الذين يشرفون على قضايا نتنياهو الجنائية.
العودة بعد المحاكمات
تظهر أمثلة من دول أخرى أن المحاكمة أو حتى السجن لا يمنع القادة السابقين من العودة إلى السلطة، إذ أعيد انتخاب الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا مرة أخرى في عام 2022 بعد إدانته وسجنه، إذ قال إن القاضي الذي كان متعاوناً مع المدعين العامين، والذي أصبح وزير العدل في عهد سلف لولا، كشف عن الطبيعة المسيسة لنظام العدالة في البرازيل، وسمح له ذلك أن يلعب دور الضحية بنجاح في صندوق الاقتراع.
وبغض النظر عن الأدلة التي يعرضها المدعون على هيئة المحلفين وما تقرره هيئات المحلفين يظل ترمب بريئاً حتى تثبت إدانته، وهو يتمتع حالياً بإيمان كامل ببراءته من قبل فريق ماغا “اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى” بحسب استطلاعات الرأي.
رهان محتمل
ولكن إذا بدت وقائع القضايا والأدلة المقدمة في المحاكمة للمعتدلين والمستقلين على أنها بلا قيمة، أو إذا شعر الناخبون المتأرجحون أن العملية القضائية استهدفت ترمب بشكل غير عادل، فقد يحول ذلك دفة التأييد لصالح ترمب، ويحقق نصراً انتخابياً يمنحه الفرصة الذهبية لتجاوز كل الاتهامات والمحاكمات ووضع نهاية لها بما يجنبه السجن في أي قضية.
ومع ذلك فإن هذه الاستراتيجية لا تزال شديدة الخطورة بالنسبة إلى ترمب، لأن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن ما يقرب من نصف الجمهوريين يفكرون في خيارات أخرى غيره، ومن غير المعروف ما إذا كان عدد كافٍ من الجمهوريين سيصوتون في الانتخابات، وما إذا كان المعتدلون سيتجهون نحو ترمب، وما إذا كان عدد كاف من الديمقراطيين سيقررون البقاء في المنزل وعدم التصويت، ولكن إذا نجحت استراتيجية ترمب فمن المرجح أن تكافئه بوقت طويل بعيداً من السجن.
استراتيجية التأجيل
على رغم أن الجلسة الثانية لترمب أمام محكمة واشنطن ستكون يوم 28 أغسطس (آب)، فإن دفاع الرئيس ترمب جادل بأنه يحتاج إلى مزيد من الوقت للنظر في تفاصيل القضية وسعياً إلى محاكمة عادلة، وهو ما يعتقد خبراء القانون أنها استراتيجية قانونية شائعة لدرء إدانة جنائية، بخاصة عندما يعتقد الدفاع أن التأخير قد يضعف قضية الادعاء، وهو ما يفعله فريق ترمب في بقية المحاكمات الأخرى التي يخضع لها، إذ ستبدأ محاكمة الرئيس السابق بتهمة إساءة التعامل مع الوثائق السرية في 20 مايو (أيار) 2024، بحسب ما أعلنته قاضية المقاطعة الفيدرالية أيلين كانون في منتصف يوليو (تموز) 2023.
ووفقاً لأستاذ القانون بجامعة واشنطن في مدينة سانت لويسبيتر جوي، فإن التأخير يكون عادة مفيداً للمتهمين، ففي القضايا الجنائية التي لا يكون فيها المتهم في السجن بانتظار المحاكمة، يصبح التأجيل مفيداً لأن ذكريات الشهود لا تكون جديدة، وقد يختفي بعض الشهود، ولهذا تسود حكمة سائدة بين محامي الدفاع وهي أن التأخير يؤدي إلى التبرئة.
وقد يحاول فريق دفاع ترمب تأجيل المحاكمة من خلال تقديم طلبات مختلفة قبل موعد المحاكمة، مما يعني تقديم أسئلة أو طلبات إلى المحكمة التي قد تركز على نوع الأدلة التي يجب قبولها أو استبعادها في المحاكمة، أو أي الشهود يجب أن يشهدوا.
وإذا كانت هناك جلسة استماع بشأن الطلب فقد يستغرق القاضي أياماً، وأحياناً أسابيع لإصدار حكم بشأن الطلب. وفي حالة ترمب قد يعني تأجيل المحاكمة إلى ما بعد الانتخابات أنه إذا فاز ترمب بالرئاسة فقد يطلب من وزارة العدل إسقاط القضية أو محاولة العفو عن نفسه، وسيكون هذا الفوز بطاقة خروجه من السجن.
وحتى إذا اختار الناخبون مرشحاً جمهورياً آخر غير ترمب ليكون المرشح الرئاسي وفاز هذا الشخص في الانتخابات العامة، يمكن لترمب أن يطلب من الرئيس العفو عنه، وهو ما بادر به علناً حاكم فلوريدا رون ديسانتس، كما حث مرشح جمهوري هو فيفيك راماسوامي جميع المتنافسين على البيت الأبيض في الحزب الجمهوري 2024 على التزام العفو عن ترمب.
طرق مختلفة للتأخير
قبل موعد المحاكمة المتعلقة بالوثائق السرية والمقررة في مايو 2024 قد يجادل محامو دفاع ترمب بأنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت للاستعداد بشكل كاف للمحاكمة، وبأنه من دون مزيد من الوقت لن يحصل ترمب على محاكمة عادلة لأنهم لن يكونوا قادرين على تمثيله بشكل فعال، وإذا رفضت القاضية كانون الاقتراح فسينتقل الاستئناف إلى محكمة أعلى ويستغرق أسابيع أو شهوراً، وقد يكتشف الدفاع معلومات جديدة خلال هذه المرحلة التي تتضمن تسليم الحكومة الأدلة وقائمة الشهود، وسيؤدي ذلك إلى محاولة الفريق القانوني لترمب استبعاد الأدلة الجديدة أو شهود الإثبات من المحاكمة.
في هذه المرحلة قد يكون من السابق لأوانه من وجهة النظر الاستراتيجية أن يطعن دفاع ترمب في موعد المحاكمة خلال مايو 2024، لأن الانتظار حتى وقت لاحق حيث ما قبل المحاكمة، من شأنه أن يمنح ترمب فرصاً إضافية لطلب مزيد من التأخير، وفي كل مرة يتم فيها رفض التأجيل من القاضية يمكن للدفاع دائماً استئناف أي رفض من هذا القبيل.