بفلم: سميح صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– شكّل الانقلاب الذي قاده الحرس الرئاسي في النيجر، ضربةً أخرى للنفوذ الغربي في منطقة الساحل. فهذا البلد المجاور لمالي وبوركينا فاسو ونيجيريا، من جهة، ولليبيا وتشاد، من جهة ثانية، يعني أنّه محاط بدول غير مستقرّة، فضلاً عن خوضه قتالاً ضدّ الجماعات الجهادية على أراضيه.
وسبق للنيجر أن وافقت على استضافة 1500 جندي فرنسي انسحبوا من مالي وبوركينا فاسو بناءً على طلب السلطات الانقلابية في هذين البلدين. وتقيم النيجر علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة أيضاً.
مع الانقلاب الذي قاده رئيس الحرس الرئاسي الجنرال عمر عبد الرحمن تياني الأربعاء، تكون النيجر قد انضمت إلى مالي وبوركينا فاسو وتشاد التي شهدت انقلابات عسكرية منذ عام 2020. وقطعت مالي وبوركينا فاسو العلاقات العسكرية مع فرنسا وطلبتا منها رسمياً سحب قواتها التي كانت تشارك في عملية “برخان” لمقاتلة تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، فضلاً عن تنظيمات محلية أقامت روابط مع الجهاديين في سياق التمرّد على السلطات المركزية.
واستبدل المجلسان الانقلابيان اللذان نشآ في مالي وبوركينا فاسو، بالدعم الفرنسي، دعماً من مقاتلي مجموعة “فاغنر” الروسية العسكرية الخاصة. وبذلك دخلت منطقة الساحل التي تضمّ أيضاً تشاد وموريتانيا والنيجر، في خضم الصراع الجيوسياسي بين الغرب وروسيا.
واشتد هذا الصراع بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022. وزادت الحرب الأوكرانية من اهتمام روسيا بنسج علاقات وثيقة مع بلدان غنية بالموارد الطبيعية، بينما تسعى فرنسا إلى البقاء على روابط مع دول كانت تخضع لاستعمارها.
وفي عام 2013، أطلق الرئيس الفرنسي عامذاك عملية “برخان” لمقاتلة التنظيمات الجهادية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لاسيما في منطقة المثلث الحدودي بين هذه الدول. وبلغ عديد القوة الفرنسية 5 آلاف جندي، واستمرت حتى العام الماضي.
وفي تقييم للعملية الفرنسية، فإنّها لم تحقّق الأهداف المتوخاة منها، لأنّ التنظيمات الجهادية زادت من نفوذها في المنطقة وفي الدول المجاورة لها، خصوصاً بعد هزيمة “داعش” في العراق وسوريا وتركيز عملياته في غرب أفريقيا وفي نيجيريا والصومال وكينيا وموزامبيق.
ومن المؤكّد أنّ روسيا عرفت كيف تستغل الشعور العام المناهض للإرث الاستعماري الفرنسي في أفريقيا، كي تثبت حضورها في مالي ومن ثم في بوركينا فاسو، بينما كانت تتدهور العلاقات مع فرنسا.
وكانت مجموعة “فاغنر” هي الذراع غير المباشرة للنفوذ الروسي في عدد من دول أفريقيا بينها ليبيا وأفريقيا الوسطى والسودان، قبل أن تتوسع إلى مالي وبوركينا فاسو. وبعد انقلاب النيجر، أشاد قائد “فاغنر” يفغيني بريغوجين بالعسكريين الذين عزلوا الرئيس محمد بازوم، وعرض خدماته عليهم.
لكن من غير الواضح ما إذا كان لـ”فاغنر” أي دور في انقلاب النيجر. وعلى رغم أنّ الموقف الروسي الرسمي طالب بإطلاق بازوم، فإنّه لم يذهب إلى حدّ التنديد بالانقلاب أسوة بالدول الغربية.
وعلى العموم، فإنّ توجيه ضربة أخرى للنفوذ الغربي في دول الساحل، سيكون موضع ترحيب في موسكو. وإذا ما انضمت النيجر إلى مالي وبوركينا فاسو في طرد القوات الفرنسية، فإنّ ذلك سيكون بمثابة مكسب كبير لروسيا، في وقت تشتد محاولات الغرب عزلها على الساحة الدولية. وفي حال اكتسبت “فاغنر” نفوذاً فعلياً في النيجر، فإنّ من شأن هذا التطور أن يحرم الغرب من موارد طبيعية أساسية وفي مقدّمتها اليورانيوم.
وإلى أن تنجلي بالكامل ملابسات الانقلاب والدوافع إليه وعمّا إذا كان لروسيا عبر “فاغنر” يد في الأمر، فإنّ الثابت حتى الآن أنّ فرنسا في طليعة الخاسرين. وقد تجد نفسها مجبرة على سحب جنودها من هناك في أقرب فرصة.
وكون النيجر ترتدي أهمية في المواجهة الجيوسياسية الدائرة بين روسيا والغرب، فإنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يضغطان بقوة من أجل إعادة حكم بازوم وعودة العسكريين إلى ثكناتهم.
ومع الغموض الذي يحيط بمستقبل النيجر بعد الانقلاب، يتعيّن الانتظار قليلاً لمعرفة التوجّهات الحقيقية للانقلابيين وفي أي مسار سيتّجهون.