الشرق اليوم- تتسارع تطورات الأزمة في السودان وتتلاحق تفاصيلها الدامية على وقع الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، وبعدما كان التوهّم أن هذه المواجهة ستحسم عسكرياً أو سياسياً خلال أيام، أصبح عدادها يحسب بالأشهر، ولا تلوح في الأفق بارقة أمل على انتهائها قريباً، فيما تظهر تعقيدات كبرى وتتعدد وجوه المأساة بين آلاف الضحايا والمصابين وملايين اللاجئين والنازحين، إضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية ومؤسسات الدولة المنهكة أصلاً، بفعل الصراعات والخلافات المزمنة.
منذ الخامس عشر من إبريل الماضي، توالت التحذيرات من انزلاق السودان إلى حرب أهلية، وها هي أسابيع القتال المتوالية تؤكد أن المحظور قد وقع فعلاً. وبينما لم يستطع أحد الطرفين حسم المعركة لصالحه في الخرطوم، اندلعت الفتنة مجدداً في إقليم دارفور، وعاد معها تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى دول الجوار، وسط مخاوف من أن يمتد القتال إلى كامل الجغرافيا السودانية المدججة بعشرات الحركات المسلحة والميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة. ووسط هذا الواقع المؤلم يدفع المدنيون الثمن الأكبر مع فقدان الأمن ونقص الدواء والغذاء والخدمات، إذ تتوقع الأمم المتحدة أن الوضع سيصبح كارثياً إذا لم يتوقف هذا الصراع المجنون.
وعلى الصعيد السياسي، تتعدد المبادرات والاجتماعات، في جدة وأديس أبابا والقاهرة، ولم يفلح الوسطاء في إقناع طرفي الأزمة بالعودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى حلول سلمية. وكان اجتماع قادة دول جوار السودان في القاهرة مؤخراً، مؤشراً على قلق هذه الدول من استمرار النزاع. وأسفرت القمة عن وضع آلية وزارية مشتركة للاتصال بجميع الأطراف السودانية، التي رحّب أغلبها بنتائج القمة، لكن لم تظهر، على الفور، بوادر إيجابية للتجاوب مع هذه المبادرة، رغم الترحيب الذي أبداه طرفا الأزمة الرئيسية.
ومع ذلك سيبقي الجهد الدبلوماسي أساسياً لإنهاء هذه الفتنة الملعونة.
عندما تمت الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، لم تكن القوى الفاعلة، ومن بينها الأحزاب السياسية، مهيأة للتعامل مع فراغ السلطة، ولم يوضع منذ البداية مشروع وطني يتسم بالشمولية. ومن الأخطاء الكبرى أن قيادة القوات المسلحة لم تتصد بمفردها لتلك المرحلة، بل قبلت أن تشاركها في المسؤولية قوات الدعم السريع، وهي كيان مسلح ساند في وقت من الأوقات الجيش في عهد النظام السابق.
ولذلك فإن الصدام بين الطرفين، خصوصاً عند توقيع “الاتفاق الإطاري”، سرعان ما خرج إلى العلن نتيجة الخلافات بين رئيس مجلس السيادة وقائد القوات المسلحة السودانية الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ثم أصبحت تلك الخلافات حرباً ضروساً يقتتل فيها أبناء البلد الواحد، بينما حجب دخان المعارك “المكون المدني” الذي كان شريكاً في “الاتفاق المدني”، ويتأهب لقيادة نظام ديمقراطي يتسلم فيه السلطة من الجيش. لكن لم يدرك المدنيون في السودان ما كانوا يتمنونه منذ عقود. ورغم عتمة اليأس ومشاعر الإحباط، ربما تنجلي هذه المحنة بسرعة، وتتعلم الأطراف الدرس الذي عاشته بلدان أخرى وما زالت تتجرع الخيبات وفقدان الأمل.