الرئيسية / مقالات رأي / مشكلة لبنان الرئاسية

مشكلة لبنان الرئاسية

الشرق اليوم- على مدار نحو تسعة أشهر، هيمن الفراغ الرئاسي على لبنان من دون أن تلوح في الأفق، حتى الآن، بادرة حقيقية تضع حداً لهذا الفراغ الذي انعكس شللاً في معظم مؤسسات الدولة، في بلد يقف على حافة الانهيار جراء الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المتراكمة، ولا يزال يبحث عن حل للخروج من المأزق، في ظل وجود طبقة سياسية يتفق الجميع على أنها فاسدة.

من المسلم به أن التركيبة الطائفية للبلاد تلعب دوراً حاسماً في تقرير مصيرها، لكن هذه التركيبة ليست وليدة اليوم، وهي نشأت مع قيام لبنان الحديث وإعلانه الاستقلال، وعلى الدوام كان يستعاض عنها بالتعايش تحت سقف وطن موحد من دون أن يلغيها. كما وضعت ضوابط لها، سواء في الدستور، أو من خلال الاتفاقات على غرار “اتفاق الطائف”. هذه المرة، يبدو أن كل هذه الضوابط استعصت على حل المأزق الخطير الذي تعيشه البلاد، بفعل الاستقطاب والانقسام السياسي والطائفي الحاد، الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة، وعدم قدرة أي طرف أو كتلة سياسية منفردة على تحقيق الأغلبية وإيصال مرشحها إلى موقع رئاسة الجمهورية.

لقد جرت محاولات كثيرة لحل معضلة الاستحقاق الرئاسي، وعقد البرلمان 12 جلسة انتخابية على مدار الشهور الماضية، لكن دون جدوى. وفي ظل هذا العجز لم يكن أمام لبنان سوى انتظار التدخل الخارجي، الذي اعتادت البلاد على أن يكون له دور فاعل وربما حاسم في أحيان كثيرة. ومع ذلك، لعبت الكيدية السياسية والخلافات المتفاقمة بين القوى اللبنانية دورها في إفشال التوصل إلى الحل المنشود. فقد جرى عملياً إفشال المبادرة الفرنسية التي كانت تقوم على صفقة شاملة تتيح التوافق على رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء معاً والالتزام ببرنامج يسمح بتنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، علاوة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لإخراج البلاد من قعر الهاوية. وبدلاً من ذلك، تحول المبعوث الرئاسي الفرنسي لودريان إلى مبعوث “للقاء الخماسي” الذي يجمع خمس دول معنية بالأزمة اللبنانية، حيث منح الأطراف اللبنانية فرصة أخيرة للتوافق على مواصفات ومهمة رئيس الجمهورية بحلول سبتمبر المقبل، قبل التوجه إلى البرلمان وانتخاب الرئيس العتيد. لكن لا توجد أي ضمانة لإنجاز هذا الاستحقاق، في ظل تمترس الأطراف اللبنانية خلف مواقفها وعدم التنازل عن مرشحيها، بينما يرزح الشعب اللبناني بأغلبيته الساحقة تحت وطأة الجوع والفقر وانعدام الرعاية الصحية والاجتماعية والاحتجاجات المطلبية دون أي مبالاة من قبل هذه القوى التي تأبي النزول من الشجرة.

 الواقع يقول إن من يريد التعايش، حيث لا مفر من ذلك تحت سقف الوطن الواحد، ينبغي عليه مراجعة مواقفه وتبادل التنازلات بين الأطراف مجتمعة، وتغليب المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية والطائفية، وبالتالي التوافق على رئيس يحافظ على سيادة وعروبة ووحدة لبنان، ويقيم أفضل العلاقات مع عمقه العربي ومحيطه الإقليمي والمجتمع الدولي، وقد أثبتت التجارب أنه لا غنى عن ذلك، إن أراد لبنان النهوض من كبوته واستعادة دوره الفاعل في المنطقة والعالم.

المصدر: صحيفة الخليج

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …