بقلم: سميح صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– عاد الرئيس التركي من جولته الخليجية التي شملت السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، بعقود وإستثمارات مشتركة فاقت الـ 100 مليار دولار. مبلغ يحتاجه الاقتصاد التركي الذي يصارع البقاء وسط أزمة لم يشهدها منذ عقود، انعكست ارتفاعاً حاداً في التضخّم وتدهوراً قياسياً في قيمة العملة الوطنية، وفراراً للمستثمرين الأجانب.
لا شيء يتقدّم على أولوية إنقاذ الاقتصاد بالنسبة إلى رجب طيب أردوغان، في ولايته الثالثة. بينما حطّ عائداً من جولته الخليجية، كان وزراء الخارجية للإتحاد الأوروبي يجتمعون في بروكسل، للبحث في طريقة لبعث مفاوضات الانضمام إلى التكتل بعد انقطاع دام عشرة أعوام. عودة الروح إلى هذه المفاوضات، حصل عليها أردوغان كجائزة ترضية لقبوله بانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي في القمّة التي عقدها الحلف في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، الجمهورية السوفياتية السابقة، في 11 تموز (يوليو) الجاري و12 منه.
وبعد الخليج، يستعد أردوغان لانطلاقة جديدة في العلاقات مع مصر، وطي صفحة التوتر الذي ساد في السنوات الأخيرة. وتطبيع العلاقات مع القاهرة، فيه مصلحة مشتركة للجانيين، نظراً إلى تشابك مصالحهما في أكثر من ملف، من ليبيا إلى غاز شرق المتوسط. وعلى رغم البطء الذي يسود عملية التطبيع مع سوريا، فإنّ الرئيس التركي بات مقتنعاً أنّ السياسة السابقة حيال دمشق لم تعد صالحة اليوم.
يوظّف أردوغان سيرورة الأحداث الإقليمية والدولية لمصلحته. وها هي الحاجة تشتد إلى دور تركي لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعودة إلى اتفاق الحبوب الذي انسحبت منه روسيا الأسبوع الماضي.
يقدّم أردوغان نفسه على أنّه الوحيد القادر على إقناع بوتين بالعودة إلى اتفاق يُعتبر بمثابة حاجة دولية لتجنّب عشرات الملايين في العديد من الدول غائلة الجوع أو بالحدّ الأدنى، إرتفاع أسعار القمح والزيوت والأسمدة.
ينتظر أردوغان لقاء بوتين الشهر المقبل، أملاً في إبرام صفقة حبوب جديدة معه. في هذا الوقت تكون الهجمات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا قد تصاعدت، بينما البحر الأسود مهدّد بالتحوّل إلى ميدان جديد للحرب الروسية- الأوكرانية.
وهذا عامل يجعل الحاجة أقوى إلى تدخّل ضروري لأردوغان، للتوقيع على اتفاق جديد للحبوب. والرئيس التركي وحده القادر على التحدث إلى الرئيس الروسي من بين قادة حلف شمال الأطلسي. وذلك، على رغم علامات الاستياء التي لم تخفها موسكو حيال الإستدارة التركية أخيراً نحو الغرب، منذ إطلاق خمسة من قادة “كتيبة آزوف” الأوكرانية خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى اسطنبول في أوائل الشهر الجاري. لكن الواقعية السياسية تفرض على موسكو عدم قطع الجسور مع أنقرة.
وفي المقابل، ينظر أردوغان إلى الأمور من منظور الفائدة الاقتصادية التي يجنيها من روسيا أيضاً، فلا يذهب في إستفزاز الكرملين حداً يبلغ حرمان تركيا من عوائد ملايين السياح الروس، ولا من امتيازات الحصول على نفط وغاز روسيين مع تسهيلات في الدفع. يُقال إنّ بوتين أرجأ تقاضي مليارات الدولارات من تركيا في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية في أيار (مايو) الماضي. من الواضح أنّها مساهمة من روسيا في دعم أردوغان في وضع اقتصادي كاد يتسبب في إطاحة حلم الرئيس التركي بولاية ثالثة.
إنّ منطلق التفكير لدى أردوغان في هذه اللحظة، وبعد دروس السياسات المغامرة في العقد الماضي، ينحصر في تسخير كل الإمكانات لإنعاش الاقتصاد، لأنّه نقطة الضعف القاتلة في حال مضت الأمور في مسارها الإنحداري.
من الخليج إلى أوروبا فروسيا والولايات المتحدة، يسير أردوغان على حبل مشدود، ساعياً إلى الاحتفاظ بالتوازن، وتوظيف السياسة في خدمة الاقتصاد، وليس العكس.