بقلم: حمادي معمري- اندبندنت عربية
الشرق اليوم– انتعش المجتمع المدني في تونس بعد عام 2011، بخاصة على إثر صدور المرسوم عدد 88 لسنة 2011 الذي حرر الجمعيات من القيود المجحفة التي تحول دون تأسيسها.
علامة مضيئة
ومثلت جمعيات ومنظمات المجتمع المدني علامة مضيئة في المحطات الانتخابية التي عاشتها تونس خلال العقد الأخير من خلال إسهامها في التوعية بأهمية المشاركة السياسية وإذكاء روح المواطنة، علاوة على تأطير الناخبين والمساعدة في تنظيم الانتخابات، إضافة إلى جملة الملاحظات والتقارير التي تصدرها بعد عمليات الرصد والمتابعة لمختلف مراحل العملية الانتخابية.
وإزاء زخم التجربة التي اكتسبها المجتمع المدني في مرافقة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مختلف المحطات الانتخابية، فاجأ رئيس الهيئة فاروق بوعسكر مكونات المجتمع المدني بإعلانه اعتزام هيئة الانتخابات عدم التعامل مع بعض منظمات المجتمع المدني لأنها “أصبحت تمارس السياسة”، وبينما لم يذكر بوعسكر في تصريحه إلى وكالة الأنباء الرسمية “وات” الجمعيات المحلية المعنية بقرار الهيئة، أشار إلى أن الهيئة لن تتعامل مع بعض المنظمات والجمعيات الدولية الناشطة في العمليات الانتخابية لأن “مجلس الهيئة يعتبر عملية تنظيم الانتخابات مسألة سيادية وطنية خالصة لا تحتمل أن تشارك فيها منظمات أو هيئات أجنبية”.
فهل يمكن فعلياً الاستغناء عن المجتمع المدني في تنظيم الانتخابات المحلية المقبلة؟ وهل يؤثر غياب المجتمع المدني عن هذه المحطة الانتخابية في مصداقية العملية الديمقراطية؟
الاحتكام إلى القضاء
وتعمل منظمات المجتمع المدني على ملاحظة ورصد وجمع المعلومات المتعلقة بطريقة سير العملية الانتخابية بكامل مراحلها من أجل تقييمها والتأكد من مدى التزامها الإطار القانوني للانتخابات ومدى استجابتها للمعايير المعمول بها في الانتخابات الديمقراطية، ودوّنت جمعيات تونسية عدة ملاحظاتها حول سير المحطات الانتخابية التي عاشتها تونس من خلال عشرات المراقبين الموزعين على مختلف مراكز الاقتراع في مختلف جهات الجمهورية، مما يؤكد الدور المحوري الذي تضطلع به في مساندة الهيئة وإنارة الرأي العام حول سير العملية الانتخابية.
وأكد رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات “عتيد” بسام معطر أن تصريح رئيس هيئة الانتخابات جاء مطلقاً ولم يذكر الجمعيات المعنية بقرار المقاطعة من الهيئة، لافتاً إلى أن “الوضعية القانونية لجمعية عتيد لا لبس فيها ولا توجد تجاوزات في مراقبتها للعملية الانتخابية، ما ينطبق تقريباً على بقية الجمعيات الناشطة في المجال الانتخابي”، ودعا هيئة الانتخابات إلى “التوجه للقضاء في حال لاحظت عدم احترام بعض الجمعيات المرسوم المنظم لعملها”، معتبراً تصريح رئيس الهيئة “في غير محله” ومشدداً على “أهمية الدور الذي تلعبه الجمعيات المدنية في العملية الانتخابية”.
تخوف من ضرب المجتمع المدني
وعبّر معطر عن تخوفه من “ضرب المجتمع المدني عبر إقصائه من المشاركة في العملية الانتخابية بينما تحضر منظمات لا علاقة لها بالانتخابات في اجتماعات الهيئة”، مشيراً إلى أن “تصريحات رئيس الهيئة ستربك هيئات المجتمع المدني في فترة حساسة تسبق الانتخابات المحلية”، وأضاف أن “انتخابات من دون مشاركة واسعة من المجتمع المدني والإعلام والناخبين ستكون كسابقتها من حيث العزوف”، داعياً إلى “التوعية بأهمية المشاركة السياسية” ولافتاً إلى أن “الجمعيات المعروفة بنشاطها في المجال الانتخابي لم تتفاعل مع الهيئة منذ فترة على رغم أنها جمعيات مشهود بكفاءتها في المجال”.
وفي تعقيبه على نية هيئة الانتخابات عدم إشراك الجمعيات والمنظمات الدولية، أكد معطر أن “على الهيئة أن تتوجه إلى القضاء في صورة تجاوز بعض المنظمات الأجنبية القانون”، وقال “تصريح فاروق بوعسكر يعكس موقف الهيئة من منظمات المجتمع المدني”، موضحاً أن “الهيئة لم تشرك الجمعيات الناشطة في المجال الانتخابي في الإعداد للانتخابات المحلية”، وأردف أن “الهيئة الحالية لا تقبل النقد ولا تتفاعل مع ملاحظات المجتمع المدني”.
وردّ رئيس الهيئة فاروق بوعسكر مؤكداً أن “صدر الهيئة يتسع للنقد ولكنه لا يتسع للسب والشتم”، مشيراً إلى “وجود دخلاء عدة على الصحافة أو الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي الذين تجاوزوا حدود النقد، ودخلوا في باب التجريح والسب، والهيئة لن تتوانى عن مقاضاة كل من أجرم في حقها”.
منظمات مسيسة
في المقابل وبينما يقر بأهمية مشاركة المجتمع المدني في مسايرة كامل مراحل العملية الانتخابية، باعتباره قوة فاعلة في تونس، دعا الناشط السياسي سرحان الناصري إلى “التخلي عن بعض الجمعيات التي باتت تمارس العمل السياسي عوض النشاط المدني من خلال مواقفها الصريحة من مسار الـ 25 من يوليو (تموز) 2021″، وشدد على “ضرورة أن يلتزم المجتمع المدني الحياد ويساند العملية الانتخابية من دون تحيز لأي جهة من أجل خدمة المسار الديمقراطي في تونس”، لافتاً إلى “أن عدداً من المنظمات أصبحت مسيسة وفي خدمة جهات سياسية محددة”، ودعا الناشط السياسي الدولة إلى “تنقيح مرسوم الجمعيات ومرسوم الأحزاب والتدقيق في الوضعية المالية لعدد منها لتلافي التقاطعات بين العمل المدني والعمل السياسي في المستقبل”، وخلص إلى أن “بعض الدول ترفض المسار الجديد في تونس وتموّل عدداً من المنظمات التي تراقب الانتخابات إلا أنها تفتقد إلى الحياد وهو الشرط الأساس لاعتمادها”.
يذكر أن هيئة الانتخابات ترجح أن يتم تنظيم الانتخابات المحلية في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) أو بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين، وهي الانتخابات الأولى من نوعها في تاريخ تونس وستجرى في 2150 دائرة انتخابية لتركيز 279 مجلساً محلياً قبل انتخابات المجالس الجهوية ثم مجالس الأقاليم من أجل تركيز المجلس الوطني للجهات والأقاليم ليكون الغرفة الثانية إلى جانب البرلمان الذي بدأ أعماله في مارس (آذار) 2023.