بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لا يمكن فهم تناقضات المواقف الأمريكية تجاه الصين، بمعزل عن الصورة السلبية التي تحاول واشنطن أن ترسمها لبكين في عيون الغرب، خدمة لأهدافها ومصالحها الاستراتيجية، وبالتالي فهي تعلو وتهبط وفقاً لمخططاتها هي، ولو على حساب مصالح الطرف الآخر والعالم بأسره.
التقارب مع الصين ومحاولات ردعها في آن، ومحاولات تسخين الأجواء ثم تبريدها، جزء من السياسة المتبعة للإبقاء على الهيمنة الأمريكية في الساحة الدولية، لكنها أيضاً جزء من الصراع الدولي الشامل على النظام العالمي الجديد. وهي تدخل أيضاً في محاولات شيطنة التنين الصيني، القوة الاقتصادية والعسكرية الصاعدة، لخلق تلك الصورة السلبية في أذهان العالم الغربي، باعتبار الصين هي ما يمثل التهديد الحقيقي للغرب مستقبلاً. ومن هنا يمكن تفسير سعي واشنطن لإصلاح العلاقات مع الصين، خشية اندلاع حرب اقتصادية وتجارية معها، لن يكون لصالحها في ظل الظروف الدولية الراهنة.
وتجنب احتمال قيام حرب تجارية بينهما، سيؤدي حتماً إلى ركود في الاقتصاد الأمريكي، بحسب الخبراء، الأمر الذي تخشى واشنطن بشدة تأثيره في الانتخابات الأمريكية المقبلة. وبالتالي فإن زيارات المسؤولين الأمريكيين ولقاءاتهم المكثفة مع المسؤولين الصينيين، مؤخراً، كانت تستهدف منع التصعيد أو السماح باندلاع تلك الحرب.
لكن المشكلة تكمن في المحاولات الأمريكية لفصل الاقتصادي عن السياسي والأمني والأيديولوجي، وهو ما ترفضه قطعاً الصين، التي قد لا تمانع في الذهاب إلى حد المصالحة الاقتصادية وفق شروط عادلة متبادلة، لكنها ترفض أي مقايضة أو تراجع في مشكلة تايوان، التي تعتبرها جوهر قضاياها و”باروميتر” علاقاتها مع الغرب. وفي هذا السياق، بات من الواضح أن الصين ترفض التخلي عن علاقاتها المتنامية مع روسيا لصالح تحسين علاقاتها مع العالم الغربي، لإدراكها طبيعة المناورات الأمريكية الهادفة إلى احتوائها بمعزل عن مصالحها، وما تعتبره حقوقها السيادية والقومية.
كما أن واشنطن تدرك أن مساعيها للتقارب مع بكين، ليست أكثر من محاولات لمنع المزيد من تدهور العلاقات “المتردية” بينهما. إذ لم يكد وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، إنهاء محادثاته في بكين، حتى سارع الرئيس جو بايدن إلى مهاجمة النظام في الصين ووصفه ب”الاستبدادي”، فيما سارع رئيس الأركان الأمريكية الجنرال مارك ميلي، عقب محادثات ثانية أجراها بلينكن مع قيادي في الحزب الشيوعي الصيني، إلى الدعوة لتسريع تسليح تايوان بهدف “ردع الصين”.
وقال ميلي من اليابان، خلال جولاته الوداعية للحلفاء، قبل مغادرته منصبه في سبتمبر المقبل: إن الولايات المتحدة تؤمن بحق تقرير المصير لتايوان، على الرغم من اعترافها بمبدأ “صين واحدة”، وإنها تعارض العمل العسكري للصين لضم الجزيرة، لافتاً إلى أنه “إذا كان لدى تايوان القدرة العسكرية لتنبيه القيادة في بكين بأن كلفة الهجوم عليها ستتجاوز أي فائدة محتملة، فسيكون الأمر انتصاراً عقلانياً من الناحية النظرية”.
بهذا المعنى، لا يزال التقارب الصيني الأمريكي ينظر إليه بعيون مختلفة، ويبدو أن هدفه في المرحلة الراهنة لا يتجاوز استرضاء الصين ومنع التصعيد لا أكثر.