الشرق اليوم– ثمة وجهتا نظر حول إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة على خلفية الصراع الدائر في أوكرانيا، الأولى يعتمدها الروس، وترى أن إرهاصات تلك الحرب قائمة بالفعل، وتحذر من اقتراب اندلاعها، والثانية يعتمدها الغرب، وواشنطن تحديداً، وتستبعد إمكانية اندلاعها، كونها تعد “خطاً أحمر”.
هذا على الأقل ما أبلغه الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره الأوكراني فلوديمير زيلينسكي صراحة، بحسب التقارير، خلال قمة حلف “الناتو” في فيلنيوس قبل يومين، انطلاقاً من رفضه القاطع السماح باندلاع مثل هذه الحرب مع دولة نووية عظمى. وهو ما تجلى أيضاً في استبعاد أوكرانيا من عضوية “الناتو”، خلافاً لرغبة زيلينسكي وطموحاته، والاستعاضة عن ذلك بتقديم ضمانات أمنية طويلة الأمد، وترك الباب مفتوحاً أمام انضمام كييف مستقبلاً.
ناهيك عن شروط الانضمام لعضوية “الناتو”، ومنها عدم قبول عضوية دول وهي في حالة حرب، فإن بايدن يدرك أن انضمام أوكرانيا للحلف الآن، يعني انخراط دول “الناتو” في حرب مباشرة مع روسيا. وقد سعى، خلال القمة، إلى تحقيق المعادلة الصعبة؛ المتمثلة بحشد كل أسباب الدعم لأوكرانيا، وتقديم أحدث أنواع الأسلحة التي يمتلكها الغرب من طائرات وقنابل عنقودية وصواريخ بعيدة المدى وغير ذلك، وفي نفس الوقت، عدم قبول عضويتها راهناً في “الناتو”، على الرغم من الخلافات القائمة بين الأعضاء.
الأهم بالنسبة لبايدن هو الظهور بمظهر القائد القادر على توحيد أعضاء الحلف وحشدهم وراءه، لدعم أوكرانيا من دون الصدام مع روسيا، وهي مسألة يرى البعض أنها تخدم حملته الانتخابية في الداخل الأمريكي، لكن يبقى السؤال: لماذا قبل “الناتو” عضوية فنلندا وقريباً السويد في صفوفه، بينما رفض انضمام أوكرانيا؟ الجواب يكمن في مسألتين: الأولى تتعلق بمعايير الحلف التي تفترض الاعتراف بحدود الدولة العضو والدفاع عنها، وهنا يرى أن فنلندا والسويد قد استوفتا هذه المعايير، بعد أن تمكنتا من التغلب على المشاكل التي كانت تعترضهما، والثانية عدم توفر هذه المعايير في الحالة الأوكرانية، والتي ينبغي أن تأخذ مساراً إصلاحياً واسعاً، كما أن حدودها غير واضحة حالياً؛ حيث يخضع جزء منها للسيطرة الروسية، بينما تعد بولندا أن غرب أوكرانيا هو جزء من أراضيها، وهي تعارض صراحة انضمام كييف للحلف. وفوق ذلك، فإن انضمام أوكرانيا سيمثل “إعلان حرب” ضد روسيا، وقد يؤدي إلى صدام عسكري ونووي معها لا أحد يمكنه التكهن بنتائجه.
على الجانب الآخر، تعد موسكو أن كل ما يقوم به “الناتو” من إمداد أوكرانيا بالأسلحة والذخائر الحديثة والمتطورة، وتوفير كل أسباب المساعدات والدعم اللوجستي، هو انخراط عملي في الحرب ضدها، حتى لو لم يتم الإعلان رسمياً عن ذلك، ما يقرب الجميع من حرب عالمية ثالثة، في ظل غياب أي أفق للحلول السياسية. وترى أن انضمام أوكرانيا ل”الناتو” هو أيضاً “خط أحمر” بالنسبة لها، وأن الأزمة الأوكرانية اندلعت أصلاً على هذه الخلفية، فهل يمكن تدارك الانزلاق إلى مثل هذه الحرب التي لا يرغب بها أحد ولن يكسبها أحد؟
المصدر: صحيفة الخليج