بقلم: محمد صلاح- النهار العربي
الشرق اليوم– تراجع إطلاق الشائعات عن تعديل أو تغيير حكومي في مصر، مع قرب الإعلان عن إجراءات فتح باب الترشيح لخوض الانتخابات الرئاسية المقرّرة ربيع العام المقبل. لكن الحديث استمر عن أخطاء وقع فيها وزراء أو سياسات اتخذها بعضهم، تسببت في معاناة المواطنين وزيادة أزماتهم. والمؤكّد أنّ مصر تتّجه إلى وجوه جديدة غير تقليدية، تساعد الرئيس عبد الفتاح السيسي في إدارة أمور البلاد، أو تدفع بها إلى المستقبل، أما رجال كل العصور وأقطاب كل نظام ومحترفي الالتصاق بأي سلطة، فلن يأتوا بجديد، وضررهم أكثر من نفعهم، ومصالح غالبيتهم مقدّمة على مصالح الوطن.
ووسط ضجيج “الإخوان” المستمر للإساءة إلى حكم السيسي وشخصه، ومحاولتهم إفشال أي حكم يأتي في مصر منذ الإطاحة بهم، ورغم محاولات أصحاب المصالح في توجيه الدولة نحو تحقيق مصالحهم، فإنّ الشعب، الذي صبر وتحمّل آثار الاضطرابات وتأثيرات الربيع العربي، وصمد بعدها أمام أخطار الإرهاب ثم عانى تبعات الإصلاح الاقتصادي، ينتظر في الولاية التالية للسيسي سياسات جديدة بوجوه أخرى، يأمل في أن تخفف معاناته وتقلّل أزماته وتتسع آفاق الحياة أمامه عملياً على الأرض.
يعتقد البعض، أنّ السيسي إذا أراد أن يضفي على فترة حكمه المقبلة بريقاً بأن يكون كل مَن حوله شخصيات جديدة غير محسوبة على أنظمة سابقة أو تيارات تقليدية فاشلة، أو تسبّبوا في زيادة الأعباء على المواطنين، فإنّه لن يستطيع، على أساس أنّ المسألة ليست بهذه البساطة، وأنّ الرجل عانى دائماً صعوبة الاختيارات. نعم، هناك أشخاص لا يمكن أن يتصدّروا المشهد في المستقبل؛ لارتباطهم بوقائع فساد مثلاً، أو لقربهم الشديد من دوائر الحكم في عصور أو فترات سابقة، أو لأنّهم احترقوا بفعل حملات استهدفتهم بعد أحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وآخرون فقدوا ثقة الناس، بعدما تولّوا حقائب وزارية، فارتكبوا أو وقعوا في أخطاء، أو حتى كانت تصريحاتهم في شأن معاناة المواطنين مستفزة. لكن الحقيقة الدامغة، أن لا فرق كبيراً بين رجال السياسة في عهد حسني مبارك مثلاً ومَن عارضوه، أو بين نظام حكم “الإخوان المسلمين” ومَن كانوا ضدّ أسلمة السياسة، فالتلوّن وتبديل المواقف وركوب كل موجة والولاء لكل سلطة، أمراض تضرب دروب السياسة.
المعارضة في عهد مبارك على الأغلب كانت شكلية، وبينها وبين الحكم توافقات واتفاقات ومواءمات ومهادنات وصفقات، وحين رأى رجالها أنّ حكم مبارك يتهاوى، سنّوا ألسنتهم وحمّروا عيونهم وركبوا موجة السخط الشعبي، ثم ادّعوا أنّهم أطلقوا الثورة أو شرارتها. أما مناوئو “الإخوان”، فهم أنفسهم في الأساس كانوا صعدوا بـ”الإخوان” إلى الحكم بسلامة نية أو عن جهل، أو عبر صفقات ومصالح!
عموماً، توضح السنوات التي حكم فيها السيسي مصر، أنّه يعاني نقصاً في الكوادر، وبقاء بعض المواقع خالية (حقيبة الإعلام مثلاً) من دون مَن يشغلها، دليل، كما أنّ لجوءه أحياناً إلى وجوه قديمة بعد معاناة في البحث دليل آخر، أما هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم عليه، خصوصاً بين رجال الأعمال وأقطاب الإعلام، فالزمن كفيل بهم. والمطلوب منه على الأقل أن ينأى بنفسه عن بعضهم، وأن يتفادى تقديم الدعم لهم، ليرسّخوا صورة بدأت توحي بأنّهم رجال أعمال الرئيس وأقطاب إعلام السيسي.
لن يحتاج الأمر إلى كثيرٍ من الوقت، فالظروف التي أعقبت الثورة والفوضى التي ضربت البلاد والخسائر التي مُنيت بها الدولة والمؤسسات والاهتراء الذي ضرب جهات رسمية بفعل الفشل الإداري لـ”الإخوان” خلال سنة كاملة وطيش الاضطرابات وانتهازية الطامعين وإرهاب “الإخوان”، كلها أمور انتهت. كما أنّ السيسي نجح بالفعل في ترميم التصدّع الذي ضرب مصر، لكن كل ذلك سيتزامن مع احتياجات يومية أساسية لأكثر من مئة مليون مواطن، علماً أنّ مصر تعاني، ومنذ عقود، نظاماً تعليمياً متردّياً وغياباً شبه كامل لتدريب الخرّيجين وتأهيلهم، ليخوضوا غمار الحياة العملية بعد سنوات الدراسة، علاوة على أمراض ضاربة في جسد الهيكل الإداري للدولة.
المشكلة معقّدة والحلول تحتاج إلى مناخ، على الرئيس أن يفرضه، أو على الأقل لا يتسبّب في تعقيده. ويبدو أنّ السيسي أدرك أنّ بقاء بعض المناصب شاغرة أفضل من أن يسندها إلى من يسيء إليه أو إلى المرحلة التي يدير فيها البلاد. لا يعني الأمر الاعتماد المُطلق على الشباب مثلاً، أو على الأكاديميين كنموذج، أو على وجوه احترفت الكلام التلفزيوني، فالقضية لا تُحسم شكلاً من دون المضمون الذي يعني تجرّداً من المصالح أو المواءمات، وأن يكون معيار الكفاءة مقدّماً على كل المعايير الأولى التي ثَبت على مدى عقود فشلها في صنع دولة حديثة. أحياناً تحتاج إلى طي كل الصفحات القديمة بحلوها ومرّها، لتشرع في كتابة واقع جديد وفرض أنماط علاقات جديدة. وإذا كان من الصعب، لأسباب عدة معروفة، تمزيق صفحات الماضي، فإنّ الحرص على تجاوز سلبياتها وتفادي الوقوع في أخطائها والابتعاد عن تكرار أشكالها، ضوابط تقي من الوقوع في الكوارث التي تشدّ الوطن إلى الوراء.