الشرق اليوم- أصبحت ظاهرتا التعصب والكراهية تهديداً مباشراً للأمن والسلام في العالم. وجاءت جريمة إحراق المصحف الشريف على يد متطرف في السويد لتقدم دليلاً حياً على تمادي هذا التيار في غيه وعدم التزامه بالحدود والأخلاق واحترام المقدسات. فهذه الواقعة المدانة لا علاقة لها بحرية التعبير، ولكنها تعبير عن رفض مقيت للغير، وعدوان سافر على مبادئ التعايش الإنساني الذي تدافع عنه الأديان وتقوم عليه الحضارات.
ضمن فعاليات الأسبوع الثالث لمكافحة الإرهاب الذي انعقد مؤخراً في نيويورك، كانت دولة الإمارات حاضرة بمواقفها المعهودة، فدعت مجدداً إلى معالجة الأسباب الجذرية للتعصب والتطرف، باعتبار ذلك السبيل الأقوم لتحقيق التسامح والأمن والسلام، وبما يحقق رفاه الشعوب واستقرارها وينأى بها عن كوابيس الحروب والصراعات. والمشكلة التي تواجه العالم اليوم أن الخطابات المغالية في التطرف باتت لها منصات ومنابر لتروج لها خطاباتها وممارساتها، بل وتجد في أحيان كثيرة الحماية، كما حدث في واقعة الإساءة للقرآن الكريم في السويد.
في كلمتها في مناقشة الأمم المتحدة، حذرت الإمارات من أن تتنامى هذه السلوكيات إلى عمليات إرهابية ونزاعات مسلحة، لاسيما أن الكثير من الظواهر المزعزعة للاستقرار كان محركها التطرف وعدم قبول التعايش مع الآخر. ويأتي هذا التحذير في وقت تعرف فيه كثير من المجتمعات، ولاسيما المتقدمة منها، أزمات اجتماعية واقتصادية حادة. ومن شأن هذه الأوضاع أن تفاقم توجه بعض الفئات نحو التطرف والتعصب، وما قد ينجر عن ذلك من ممارسات تكرس الكراهية والعنصرية، وتشرعن للعنف في مرحلة أولى، ثم قد تتطور لاحقاً إلى حروب.
الحربان العالميتان الأولى والثانية اندلعتا بسبب تضارب المصالح بين الدول الأوروبية الكبرى، وقد غذت ذلك التضارب خطابات الكراهية والعنصرية، وأدت إلى فواجع راح ضحيتها عشرات الملايين من الأبرياء. ومع تأسيس الأمم المتحدة وولادة الإعلان العالمي لحقوق الانسان بدأ التفاؤل ينتعش بأن يتم بناء مجتمع دولي يقوم على العدالة واحترام الآخر. واليوم يبدو أن تلك المبادئ والقيم يجري التخلي عنها والدوس عليها، وهو ما يستعيد ذكريات أليمة كانت قبل عقود، وظنت البشرية أنها تجاوزتها وودعتها إلى الأبد. ومن مؤشرات ذلك الصعود المتنامي للتطرف في أنحاء العالم، والاستعداد الكبير لاحتمال اندلاع حروب شاملة، وقد بدأ هذا الخطاب يستشري بعد انفجار الأزمة بين أوكرانيا وروسيا.
الوضع الدولي الحرج يحتاج الى تضافر كل الطاقات والجهود لإنقاذ التعايش الإنساني من التردي في مهاوي التعصب والكراهية، كما يفرض عدم التسامح مع أي نزعات متطرفة تسعى إلى نبذ الآخر ووضع الحواجز والعوائق أمام دعوات التآخي والايمان بالعيش المشترك. وهذه الأهداف ليست بعزيزة إذا توافرت الإرادة وتم اختصار المسافات بين الثقافات والأديان والحضارات. والتنوع الذي تعرفه الإنسانية لا يمكن التنكر له لأنه يمثل خصوصيات وقيماً من الصعب اندثارها، ولذلك فإن الايمان بالمشترك هو صمام أمان المستقبل، وهو المسار الأقوم لسمو القيم الإنسانية ونبذ كل ما يدعو إلى التفرقة والعنصرية.
المصدر: صحيفة الخليج