بقلم: ابراهيم حيدر- النهار العربي
الشرق اليوم– تسود حالة من الترقب لما ستسفر عنه التهديدات الإسرائيلية بإزالة الخيام التي نُصبت داخل الأراضي المحتلة في منطقة كفرشوبا ومزارع شبعا، وذلك بعدما نقل الإعلام الإسرائيلي أن إسرائيل تستعد لإزالة نقاط عسكريّة أقامها “حزب الله” عند الحدود مع لبنان، بالقوّة. لكن المواجهات التي حدثت قبل نحو شهر تقريباً، عندما تظاهر لبنانيون من المناطق المتاخمة للمنطقة وبين الجيش الإسرائيلي على الحدود تشير إلى تمسك “حزب الله” بالخيم، معتبراً أنّها على أراضٍ لبنانية محتلة. ويتخوف مراقبون من أن تشعل هذه القضية مواجهة عسكرية، وإن كانت الجبهة الممتدة على الحدود هادئة، بعدما جرى تجاوز عملية إطلاق الصواريخ التي نفذتها حركة حماس من جنوب لبنان في نيسان (أبريل) الماضي.
يأتي التهديد الإسرائيلي وسط استنفار أمني وعسكري على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، ومناورات أجرتها قوات الاحتلال تحاكي عمليات محتملة قد ينفذها مقاتلو “حزب الله” في المناطق الحدودية من اقتحام مستوطنات في وقت متزامن، علماً أن الحزب استحدث مواقع عسكرية جديدة على الحدود لم تكن موجودة سابقاً، خصوصاً في المناطق الممتدة بين تلال كفرشوبا المحتلة ومزارع شبعا التي احتلتها إسرائيل خلال حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1967، ولم يجر ترسيمها ضمن الخط الأزرق بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000، والتي اعتبرت أراضيَ سورية على الرغم من أن أهالي المناطق الحدودية يؤكدون أنها لبنانية.
بقيت هذه المنطقة هادئة بعد حرب تموز (يوليو) 2006، على الرغم من أن “حزب الله” كان ينفذ عمليات متتالية في تلال كفرشوبا وعلى تخوم المزارع بعد التحرير عام 2000، لكنه انكفأ بعد 2006 ولم يعد له وجود علني في المنطقة. لذا ما عدنا شهدنا أي تصعيد، باستثناء عملية نفذها الحزب عام 2015 في مزارع شبعا لجهة الحدود الفلسطينية – السورية صعوداً من المجيدية اللبنانية، رداً على مقتل جهاد مغنية ورفاقه في عملية نفذتها إسرائيل على القنيطرة السورية. وقد جاءت عملية الحزب حينذاك، في منطقة تعتبرها الأمم المتحدة سورية، أي أن “حزب الله” رد على الاغتيال في أرض غير لبنانية، وكأنه قال إن قواعد الاشتباك حسمت الرد في أرض سورية.
ما يجري اليوم يختلف عن تلك المرحلة، إذ عاد “حزب الله” للتركيز على منطقة المزارع، من خلال إقامة نقاط عسكرية عدة على طول حدودها، انطلاقاً من حسابات واستهدافات لا ترتبط بتطورات الوضع على الجبهة. فهو يعتبر أن وظيفة المقاومة لا تزال قائمة، خصوصاً بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لا بل يبررها بوجود أراضٍ لبنانية لا تزال محتلة، وإن كان هناك جدل حول لبنانيتها مع سوريا. علماً أنه عند انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000 لم يشملها ترسيم الخط الأزرق، وبالتالي فهي قابلة لأن تكون منطقة مقاومة، وبالتالي يمكن التوظيف فيها بصرف النظر عن واقعها.
نقطة التوتر الجديدة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لم تنشأ بفعل تصعيد أمني وعسكري أو عمليات مرتبطة بها، لكنها بؤرة صراع تعيد ملف الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل إلى الواجهة، ويطرح هذا الأمر تساؤلات عما يحيط بالترسيم من ملفات مرتبطة بحسم مسألة الحدود البرية، خصوصاً في ما يتعلق بمزارع شبعا التي تحمل إشكاليات قانونية بالعلاقة مع سوريا التي تعتبرها جزءاً من الجولان المحتل… وعندما تُطرح هذه المسألة سيكون هناك من التعقيدات ما لا يُعد ولا يحصى، خصوصاً في ما يتعلق بمزارع شبعا التي يرفض النظام السوري حتى الآن الاعتراف بلبنانيتها.
لا يعني هذا التوتر أنه قد يجر المنطقة إلى الحرب، لكن حسابات معينة قد تؤدي إلى مواجهات، كما حدث خلال المرحلة التي سبقت التوقيع على اتفاق الترسيم البحري، خصوصاً أن ما يحدث يأتي بالتزامن مع ملف التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) في آب (أغسطس) المقبل، وما يُحكى في الكواليس عن احتمال إعادة طرح ترسيم الحدود البرية بعدما كان لبنان قد رفض سابقاً دمجها في مفاوضات الحدود البحرية، لذا يسعى “حزب الله” إلى استباق أي بحث في هذا الملف بتثبيت قواعده وتكريس أمر واقع في المنطقة، للتأكيد أن هناك أولاً أراضيَ لبنانية محتلة تستوجب المقاومة والحق في استرجاعها، وثانياً تبرير شن عمليات في المنطقة، خصوصاً أنها مناطق لم يشملها الخط الأزرق عام 2000، ومفتوحة على منطقة الجولان المحتل.
وما يعزز عودة هذا الملف إلى الواجهة، إلى جانب استهدافات “حزب الله” هو الموقف الأميركي الذي يمارس ضغوطاً كبيرة على لبنان لتفكيك الخيمتين، أو ما تعتبره إسرائيل نقاطاً عسكرية في المناطق التي تحتلها، ووفق روايات ينشرها الإعلام الإسرائيلي، فإن هناك ضغوطاً من الولايات المتحدة على لبنان لتفكيك الخيمتين تستبق التحضيرات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي لإزالة النقاط بالقوة، لكن أي عملية عسكرية قد تؤدي إلى مواجهات وتفجير الحرب في هذه المنطقة، قد تتمدد إلى نقاط أخرى.
الأرض التي أقيمت عليها الخيام التي تعتبرها إسرائيل تابعة لـ”حزب الله”، هي الحد الفاصل بين مهمات “اليونيفيل” في جنوب لبنان و”إندوف” في منطقة الجولان، لكنها تخضع لمراقبة الأولى، إذ طلبت إسرائيل من “يونيفيل” العمل على إزالتها أولاً، وهو ما يطرح دور هذه القوات وما إذا كانت ستعدل مهامها في صيغة التجديد للقوات الدولية. يشار في هذا الخصوص إلى أن مسودة نص التجديد للقوات الدولية في الجنوب قد باتت جاهزة وفق صيغة العام الماضي 2022، علماً أن “حزب الله” كان قد طالب الحكومة اللبنانية بالعمل على تعديل نص التجديد وإعادته إلى الصيغة التي كان يُعمل بها قبل 2022، خصوصاً تعديل الفقرة التي تنص على أن أي تحرك لقوات “اليونيفيل” في القرى جنوب الليطاني وعلى الحدود يجب أن يكون منسقاً مع الجيش اللبناني، وهي الفقرة التي عُدلت خلال التجديد عام 2022، وتسببت بمواجهات بين جمهور “حزب الله” والقوات الدولية أدت في منطقة العاقبية إلى مقتل أحد الجنود الدوليين. لكن لبنان الرسمي لم يطلب حتى الآن أي تعديل، خصوصاً أن الولايات المتحدة قد أعلنت رفضها أي صيغة جديدة، لا بل شددت على أن تقوم القوات الدولية بأكثر من المهام المطلوبة منها.
وفي ما يتجاوز ملف الخيمتين في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، فإن “حزب الله” يتجه لتعزيز حضوره العسكري في المنطقة ونشر قواته في مختلف مناطق الجنوب، انطلاقاً من سياسته بتوحيد الجبهات، ثم استعراضاته العسكرية الأخيرة والمناورات التي نفذها، علماً أنه نفذ عملية إطلاق صواريخ في 6 آب (أغسطس) 2021 في منطقة مفتوحة في مزارع شبعا المحتلة رداً على غارات إسرائيلية، معتبراً أنها لتثبيت قواعد الاشتباك، وإن كانت قد نُفذت من منطقة خارج الخط الأزرق.
سيكون الجنوب اللبناني خلال الشهرين المقبلين أمام عدد من الاحتمالات، أبرزها تلك المفتوحة على التفجير، وليس الأمر متعلقاً فقط بالخيمتين، بل بما ستؤول إليه عملية التجديد للقوات الدولية واحتمال فتح ملف ترسيم الحدود البرية، أو أن نشهد اختباراً أولياً لاحتمالات معركة ترتبط بحسابات إقليمية. وهذا يعني إبقاء لبنان ساحة ساخنة بخلاف ما تشهده ساحات الصراع في المنطقة واستمرار توظيفه ساحة رسائل، من دون أن يعني ذلك أن هناك حرباً كبيرة على الأبواب.