بقلم: صلاح الغول – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- شهدت روسيا أكبر محاولة تمرّد مسلح منذ بداية حرب أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، بل منذ الانقلاب العسكري الفاشل في الاتحاد السوفييتي السابق في أغسطس/آب 1991؛ بعد قيام قوات مجموعة فاغنر بمحاولة تمرد مسلح. والواقع أن تمرد فاغنر نتيجة تصاعد الصراع بين قائد المجموعة يفغيني بريغوجين والقيادات العسكرية الروسية في وزارة الدفاع منذ بدء الحرب. بعبارة أخرى، جاءت محاولة تمرد فاغنر إثر اتهامات متكررة من جانب بريغوجين لوزارة الدفاع بالتقاعس عن دعم المجموعة في معركة باخموت، وقصف مواقع لقواته هناك، بل تضليل الرئيس فلاديمير بوتين فيما يتعلق بمجريات الحرب؛ ولذلك نفهم أن مطالب بريغوجين تمثّلت في تحقيق العدالة لقواته في التمويل والتسليح، وأن يكون له دور في إدارة المعارك في أوكرانيا، والتحقيق في استهداف قواته بواسطة القوات الروسية. وتصاعدت الأمور بسرعة عندما سيطرت قوات فاغنر على المنشآت العسكرية في مقاطعتي فورونيغ وروستوف (جنوبي روسيا) ومركز قيادة المنطقة الجنوبية، وبدأت في الزحف نحو موسكو. وتصاعدت مع سرعة وتيرة التمرد المسلح، حيث طالب بريغوجين بتغيير القيادات العسكرية، وفي مقدمتهم وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس هيئة الأركان المشتركة فاليري غيراسيموف.
ورغم أن محاولة التمرد تلك أبانت عن اختلال في نظام الحكم في روسيا فإنّ كل المؤسسات الأمنية والدفاعية -الاتحادية والإقليمية- هبّت لمواجهتها بكل حسم؛ فقد دعت وزارة الدفاع الروسية مقاتلي فاغنر لإنهاء التمرد. وأصدر جهاز أمن الدولة الروسي بياناً يطالب فيه مقاتلي فاغنر بعصيان أوامر قائدهم، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات لتوقيفه. ثم توجّه الرئيس بوتين إلى الأمة بخطابين في غضون يومين، اتهم في أولهما (24 يونيو) مجموعة فاغنر بالخيانة، واعتبر ما قامت به تمرداً، وتوعّدها بردّ قاس. ورغم رفض بريغوجين هذه الاتهامات، وتأكيده أن قواته الزاحفة نحو العاصمة الروسية لن تستسلم فإن خطاب بوتين شديد القوة والحسم. والوحدة التي أظهرتها المؤسسات الأمنية الروسية إضافة -بالطبع- إلى وساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، هما اللتان أسهمتا في إفشال محاولة تمرد فاغنر.
انتهى تمرد مجموعة فاغنر المسلح في روسيا إذاً، بينما كانت قواتها على بعد 200 كم من موسكو، وقبل قائد فاغنر وقف زحف قواته والانسحاب من مقاطعة ريستوف مقابل ضمانات أمنية. كما قبل الانتقال للإقامة في بيلاروسيا المجاورة مقابل إسقاط تهم الخيانة عنه.
لكن لا شك أن ما جرى سيترك آثاراً كبيرة في السياسة الروسية، والحرب المتصاعدة في أوكرانيا، ومستقبل مجموعة فاغنر نفسها. فكما سبق، أثارت محاولة تمرد فاغنر التساؤلات عن مدى قدرة بوتين على التحكم في الوضع السياسي. أما فيما يتعلق بتأثير التمرد على الحرب في أوكرانيا فسوف يؤثر التمرد في معنويات وقدرات القوات الروسية المتراجعة بالفعل جرّاء الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق في 4 يونيو/حزيران الجاري. وقد استغلت القوات الأوكرانية تداعيات الفوضى السياسية التي خلّفها تمرد فاغنر وكثّفت هجماتها على الجبهة الشرقية في مقاطعة دونيتسك وحول مدينة باخموت، وأعلنت عن تحقيق بعض التقدم. وفي ظل احتمال عدم عودة قوات فاغنر إلى أوكرانيا فإن غيابهم -إذا تحقّق- سيترك فراغاً ربما لا يتم ملؤه بسهولة، خاصة أنهم شكّلوا رأس الحربة في العملية العسكرية الروسية، ربما حتى تتمكن قوات أحمد الشيشانية من أخذ مواقعها كما هو مخطط له. ولكن لا يُتوقع أن يؤثر كل هذا في استراتيجية موسكو في الحرب في أوكرانيا.
وبرغم انتهاء محاولة التمرد فإنّ مستقبل مجموعة فاغنر غير واضح، وربما لا تستمر في الوجود ككيان منفصل أو موحد. في خطابه يوم 26 يونيو/حزيران، أشار الرئيس بوتين إلى أن الكرملين يهدف إلى جذب قوات فاغنر إلى الجيش الروسي، ولكن من غير الواضح كيف ستُدمج في هياكله. فقد يتم تفكيك قوات فاغنر العاملة في أوكرانيا لتعزيز التشكيلات العسكرية القائمة، أو حث هذه القوات على الانخراط في الشركات العسكرية الخاصة التابعة لوزارة الدفاع. وقد يختار الكرملين الإبقاء على كيان فاغنر فقط لدعم العمليات العسكرية في إفريقيا أو الشرق الأوسط، وتفكيك المجموعة في أوكرانيا. ولكن من المؤكد ألا مستقبل ليفغيني بريغوجين في فاغنر، وأن تواجه الأخيرة عداءً من القادة العسكريين الروس انتقاماً لجهود المجموعة في إضعاف القوات النظامية؛ ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات وتدنّي الروح المعنوية.