بقلم: أسعد عبود- النهار العربي
الشرق اليوم– يتسلّح الرئيس الأميركي جو بايدن بالهند. البلد الآسيوي الذي يزاحم الصين سكانياً واقتصادياً وتكنولوجياً، ويملك كل المقومات التي يمكن أن تجعله قوة موازية في آسيا. ولهذه الغاية، اختار بايدن توثيق العلاقات مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي واستقبله بحفاوة في البيت الأبيض.
الولايات المتحدة التي ترى نفسها عالقة في تنافس شديد مع الصين، تجد في الهند ما تبحث عنه لتحقيق التوازن مع بكين في المحيطين الهادئ والهندي. ونيودلهي عضو في حلف “كواد” إلى جانب أميركا وأستراليا واليابان. هذا الحلف صُمّم منذ العقد الأول من القرن الجاري، كي يقف في مواجهة الصعود الصيني. وها هو يُثبت اليوم أنّ الإستراتيجية الأميركية التي كانت تقوم على إرساء علاقات وطيدة مع الهند، تؤتي ثمارها.
وبعد نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية، اشتدت حاجة بايدن إلى الهند. ذلك، أنّ العلاقات الهندية- الروسية، قديمة ومتينة، وكانت روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفياتي، المزوّد الرئيسي للهند بالسلاح في مقابل السلاح الأميركي الذي كان يتدفق على باكستان. البلدان خاضا ثلاث حروب منذ استقلالهما عام 1947.
آثار العلاقات التاريخية بين الهند وروسيا، بقيت محفورة حتى بعد انفجار النزاع الأوكراني. فقد رفضت نيودلهي، شأنها شأن بكين، الانضمام إلى نظام العقوبات الغربية على روسيا. لا بل حصل العكس، فالتبادلات التجارية بين روسيا والهند تضاعفت منذ اندلاع الحرب. نيودلهي زادت مشترياتها من النفط الروسي بأسعار مخفّضة، ومن ثم تقوم ببيعه إلى الأسواق الأوروبية التي حظّرت استيراد الطاقة من روسيا. ها هي أوروبا اليوم تحصل على الطاقة الروسية، من طريق الهند، لكن بأسعار مرتفعة.
لطالما دعا مودي إلى وقف الحرب وسلوك طريق الحوار لإيجاد تسوية سلمية للنزاع الأوكراني. وهذا ما كرّره رئيس الوزراء الهندي عندما كان يقف إلى جانب بايدن في البيت الأبيض الخميس الماضي. لكن ليس هذا ما كان يريده الرئيس الأميركي من ضيفه. كان يريد موقفاً يندّد بالغزو الروسي ويخفّض العلاقات مع روسيا، كي يحرم الكرملين من مورد رئيسي لتمويل آلة الحرب في أوكرانيا. لولا الصين والهند ودول الخليج العربية، لاتخذت الحرب الاقتصادية التي شنّها الغرب على موسكو منحى أكثر إيلاماً بالنسبة للروس.
ومع ذلك، لم ييأس بايدن، ورأى أنّ الوسيلة الأفضل لاستمالة الهند وجعلها تبتعد عن موسكو هي في إظهار “السخاء” الأميركي، فكان التوقيع على اتفاق لنقل تكنولوجيا المحرّكات، في وقت تبدأ الهند إنتاج مقاتلات على أرضها. وستحصل “جنرال إلكتريك” على الضوء الأخضر لإنتاج محرّكاتها من طراز “إف 414” بشكل مشترك مع شركة “هندوستان إيرونوتيكس” للصناعات الجوية والتابعة للدولة الهندية. وستشتري الهند أيضاً مسيّرات مسلّحة عالية الدقّة من طراز “إم كيو-9 بي سي غارديانز”.
في الحسابات الأميركية، إنّ الهند يمكنها أن تقوم بوظيفتين، الابتعاد عن روسيا قدر الإمكان تجارياً وسياسياً، والوقوف إلى جانب أميركا بهمّة أعلى في مواجهة تمدّد العملاق الصيني. إنّهما مهمّتان شاقتان، في الوقت الذي تملك فيه الهند الكثير من الهواجس، في ما يتعلق بالعلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان. فلا تزال نيودلهي ساخطة على واشنطن لبيعها مقاتلات “إف-16” لخصمها التاريخي.
وإذا كان في إمكان مودي الهندوسي القومي المتشدّد التغاضي عن الإنتقادات الأميركية المتصاعدة حيال تعامل الحكومة الهندية مع الأقليات الدينية لديها، فإنّ بيع السلاح الأميركي لباكستان هو أحد أهم عناصر القلق لديه. والمشكلة أنّ أميركا مضطرة إلى الحفاظ على علاقتها الوطيدة مع إسلام آباد كي لا تقع باكستان برّمتها تحت النفوذ الصيني.
إنّه تشابك العلاقات الدولية وإيثار المصالح، الذي يمنع من قيام تحالف أميركي- هندي أقوى. وكأنّ أميركا والهند تدركان أنّ علاقات كل دولة منهما مع الدول الأخرى، لا تزال تتحكّم بصيرورة العلاقات بين الجانبين. إنّه تحالف الضرورة.