بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– أطلق الرئيس جو بايدن تصريحاً خطِراً، قد يشير إلى معلومات استقاها من استخبارات بلاده، حول نية بوتين استخدام أسلحة نووية تكتيكية في الصراع مع كييف، خصوصاً مع نقل أسلحة نووية إلى بيلاروسيا الواقعة في المنتصف بين روسيا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، ووضع هذه الأسلحة على أهبة الاستعداد تحسباً لأي تصعيد طارئ قد لا يكون في الحسبان. لكن هل ستلجأ روسيا بالفعل إلى هذه الأسلحة، خصوصاً مع بقاء القتال على حاله بين كر وفر، دون تحقيق منجزات كبرى تدفع أوكرانيا للجوء لطاولة المفاوضات؟
على الرغم من “قلق” الرئيس الأمريكي من هذا الخيار، فإن أروقة صنع القرار الأمريكية ذاتها، قالت إنها لم ترَ أي مؤشرات على أن روسيا تستعدّ لاستخدام سلاح نووي، وموسكو أيضاً رفضت مخاوف بايدن، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تنشر منذ عقود مثل هذه الأسلحة في أوروبا، كما حذرت أكثر من مرة من أن مد الغرب لأوكرانيا بالسلاح هو ما يؤجج الصراع، ويدفعه إلى حافة الهاوية والتوسع إلى خيارات لا تحمد عقباها، ورأت أن ذلك قد شجّع أوكرانيا للتخطيط لصنع “قنبلة قذرة” لمهاجمة روسيا، أي أن من يعبث بفتيل النووي هو الغرب، الذي لا يترك مناسبة إلا ويبدي مخاوفه من “البعبع” الروسي.
لكن أياً يكن، فإن روسيا لم تستنفد كل أوراقها بعد، حتى تضع استخدام النووي نصب عينيها؛ إذ ثمة اعتبارات كثيرة تمنعها من اللجوء إليه، فهي لا تزال ملتزمة بعقيدة أن هذا السلاح للردع وليس للتدمير، كما أنها وعلى الرغم من المقاطعة الشعواء غربياً، فإنها تلقى قبولاً من عشرات الدول في العالم، منها الهند والصين القوتان الكبريان، اللتان تحدّتا التهديدات المتواصلة من المعسكر المعادي لروسيا، وثمة عواصم أخرى التزمت الحياد، وبالتالي فإن استخدام النووي سيكون مخاطرة بإخراج هذه الدول من موقفها؛ إذ إن حلفاءها لن يتحملوا هذا الوزر، وخصوصاً الصين التي لها مصالح لا تعدّ مع العالم كله، لذا فإن روسيا ستكون في موقف لا تُحسد عليه في هذا الصعيد، وستصبح أكثر عزلة.
كما أن روسيا تملك من القوة الكلاسيكية ما يمكنها من الصمود لسنوات، وتستطيع بها إحداث تقدم على الأرض؛ لذا فإن هذه المرحلة لا تستدعي حسم الصراع بأسلحة تدميرية، فهي تعرضت لضربات في العمق، وصلت إلى استهداف الكرملين، ولم تلجأ إلى حرب شاملة فضلاً عن الأسلحة النووية، كما أن استخدامها قد يُدخلها في مواجهة مباشرة مع “الناتو” وهذا ما لا يرغبه الجميع.
وبالعودة إلى مخاوف بايدن، فالأجدى أن تترجم على الأرض، عبر الدفع بإيجاد حل على الأرض، لا بمدّ أوكرانيا بكل أنواع الأسلحة، وتحريضها على استفزاز روسيا، ثم بثّ القلق من ردود فعلها. فالحل يكمن في واشنطن، وقرار “زر روسيا النووي” في البيت الأبيض؛ لأنه كلما رفعت الإدارة الأمريكية السقف، اقتربت موسكو من الضغط عليه، وهذا لن يكون في مصلحة أحد.