بقلم: أسعد عبود – صحيفة النهار العربي
الشرق اليوم– اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذهاب إلى روسيا في الوقت الذي كانت تنتظره فيه فرنسا، ليضيف بذلك عنصر توتر جديداً إلى العلاقات الفرنسية – الجزائرية التي اتسمت بالشك والغموض في معظم مراحلها.
وارتدت زيارة تبون موسكو في وقت تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى عزل روسيا سياسياً واقتصادياً على المسرح الدولي، أهمية استثنائية. أوروبا تبحث بعد حظر وارداتها من النفط الروسي، عن بلدان منتجة للطاقة تعوض النفط والغاز الروسيين. وتملك الجزائر احتياطات كبيرة من الطاقة التي يمكن أن تساهم في سد حاجة الأوروبيين على المديين المتوسط والبعيد.
إن ذهاب تبون في اتجاه روسيا ليس خبراً سعيداً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان يراهن بعد زيارته الأخيرة للجزائر في آب (أغسطس) الماضي للمرة الثانية منذ تسلمه ولايته عام 2017، على أن في إمكانه إعادة تنظيم العلاقات الفرنسية – الجزائرية وتخليصها من شوائب الماضي الاستعماري، ومصالحة الذاكرة بين البلدين، وإعادة تحريك العلاقات الثنائية، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. بيد أن الأمور لم تسر في الاتجاه الذي يرغب فيه ماكرون وازدادت تعقيداً. والجميع يذكر كيف أغضب ماكرون الجزائريين عندما وصف في عام 2021 النظام الجزائري بأنه يعيش على “ريع الذاكرة”.
ومع ذلك، لا يمكن أخذ زيارة تبون موسكو فقط من منطلق تفضيله موسكو على باريس، بل ثمة مصلحة استراتيجية في تموضع الجزائر في الموقع الذي ترى أنه يعود عليها بالفائدة الأكبر في ظل احتدام الصراع الدولي. وكي نكون أكثر تحديداً، تتطلع الجزائر إلى الانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، على غرار ما تطمح إليه دول أخرى ناشئة. ومعلوم أن “بريكس” تطرح نفسها بديلاً من النظام الدولي الذي يقوده الغرب.
ويدخل في تحديد الخيارات الاستراتيجية للدول، البحث عن المصالح الاقتصادية قبل كل شيء. والجزائر عضو في تحالف “أوبك +” الذي تقودة السعودية وروسيا. ولذلك، يهمها الحفاظ علاقات مميزة بموسكو بصرف النظر عن الضغوط الغربية للانضمام إلى الدول التي تفرض عقوبات على روسيا منذ اندلاع الحرب مع أوكرانيا. والجزائر تصطف هنا إلى جانب دول الخليج العربية التي اتخذت موقفاً محايداً من النزاع وآثرت القيام بمبادرات للتخفيف من أهوال الحرب، مثل التوسط في تبادل الأسرى أو الحض على سلوك طريق الحوار للتوصل إلى تسوية تفاوضية للنزاع.
وهذا السياق، يفسر الكثير من الأسباب التي حدت بتبون إلى الذهاب إلى موسكو وإرجاء زيارة كانت مرتقبة له لباريس في الأول من أيار (مايو)، أُرجئت بسبب التظاهرات التي كانت تشهدها المدن الفرنسية احتجاجاً على رفع ماكرون سن التقاعد من 60 عاماً إلى 62 عاماً.
المعضلة اليوم تتلخص على النحو الآتي: في الوقت الذي تشتد حاجة أوروبا إلى الجزائر والدول الأفريقية الأخرى في التوازنات الدولية التي ترتسم معالمها على وقع الحرب الروسية – الأوكرانية وبروز الصين منافساً قوياً للولايات المتحدة وللغرب عموماً، تتعقد علاقات فرنسا وأوروبا بدول أفريقية عدة، لا سيما في منطقة الساحل. وتعاني فرنسا انحساراً لنفوذها في المنطقة، اضطرت معه إلى تعليق عملية “برخان” في مالي والمثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
كان يمكن عبر الجزائر، أن تستعيد فرنسا جزءاً مما خسرته في منطقة الساحل لمصلحة روسيا والصين. لكن هذا لم يحصل على الأقل حتى الآن. وبقيت الجزائر التي ترتبط تقليدياً بروسيا منذ الحقبة السوفياتية، صاحبة نظرة إلى الوضع الدولي تبدو أقرب إلى روسيا والصين، مما هي إلى أوروبا والولايات المتحدة.
إن الاتفاق بين تبون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على “تعميق الشراكة الاستراتيجية” بين بلديهما، رسالة لا يخطئ الغرب في فهمها.