بقلم: دانة العنزي- الراي الكويتية
الشرق اليوم– تتنوع مفاهيم القوة وأشكالها في العلاقات الدولية، ويأتي أبرزها على الإطلاق القوتان الصلبة والناعمة. والأولى هي التي تجسد القوة المادية خصوصاً القوة العسكرية التي تستخدمها الدول بشكل مباشر لحماية أمنها القومي أو للترهيب والترغيب في السياسة الخارجية.
أما القوة الناعمة والتي صاغها جوزيف ناي، فتعني ببساطة سحر الجاذبية دون ترغيب أو ترهيب مباشر. بمعنى أكثر وضوحاً، هو امتلاك الدولة لمقومات وعناصر تنشئ لها جاذبية وتعاطفاً تلقائياً- كالثقافة الأميركية ومشتقاتها كالأفلام والبرامج التكنولوجية على سبيل المثال- بحيث تساهم في تحقيق سياستها الخارجية دون عناء.
فعلى سبيل المثال، تحمس الكثير من دول أوروبا الشرقية للانضمام للمؤسسات الغربية-الأميركية كحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، بسبب انبهار نخب وشعوب تلك الدول بالثقافة الغربية عموماً، لاسيما حياة الرفاهية الشديدة التي تجسدها الأفلام الأميركية. وبذلك، قوض الغرب الشيوعية والاشتراكية بدرجة واسعة في معاقلها التاريخية دون عناء يذكر.
دشنت الصين سياستها في المنطقة من منظور اقتصادي بحت منذ منتصف التسعينات بسبب احتياجها الشديد للنفط وتقوية اقتصادها الناشئ. ومع توسع وتطور دور الصين في المنطقة، بدأت الصين في زيادة التركيز على القوة الناعمة حيث أنشأت قناة صينية باللغة العربية، وأقامت معاهد «كونفوشيوس» لتعليم اللغة الصينية والتعريف بالثقافة والفنون الصينية.
وفي 2015، نجحت الصين في ربط جميع دول المنطقة بمبادرة الحزام والطريق، والتي تجسد أكبر داعم ومصدر للقوة الناعمة الصينية. إذ ترتكز المبادرة على فكرة «الربح للجميع» و«التواصل التاريخي والحضاري» و«التفاهم بين الشعوب والثقافات» و«المبادئ الخمسة الرئيسية للسياسة الخارجية الصينية للتعايش السلمي وعدم التدخل ونبذ استخدام القوة».
وتحاول الصين توسيع قوتها الناعمة في المنطقة انطلاقاً من اعتبارات عدة، من بينها الحفاظ على حضورها الاقتصادي، وتعزيز صورتها الإيجابية، ومقاومة محاولات القوى الغربية تشويه الحضور الصيني في المنطقة، ومحاولة تأسيس شرق أوسط بنّاء يتسم بروح التعاون والسلام والتنمية.
وحقيقة الأمر- رغم أن القوة الناعمة الصينية في طور التوسع، ولم يتسن لها بعد منافسة القوة الناعمة الغربية خصوصاً للولايات المتحدة- ومع ذلك، ثمة مؤشرات كثيرة على تحسن صورة الصين الناعمة في المنطقة، وتأسيس قوة جاذبة للصين نابعة بالدرجة بالأولى من نموذجها الخاص في التنمية الذي يتلاءم مع واقع المنطقة وثقافتها. إذ قد أثبت أن هناك نماذج أخرى للتنمية بعيدة عن النماذج الغربية قد حققت درجات لافتة من التطور والتنمية مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية للشعوب.
وتتأتى أهمية ذلك للصين في تعزيز حضورها في المنطقة وزيادة جاذبية شعوب المنطقة للصين. وبالتالي تأهيل المنطقة لقيادة صينية مرتقبة مقبولة رسمياً وشعبياً لاسيما وأنها ليست قائمة على أولوية أساليب الإكراه والعسكرة والانحياز الأيديولوجي.
ولعل الاتفاق السعودي ـ الإيراني الأخير حول تقارب العلاقات، يمكن اعتباره انعكاساً مباشراً للقوة الناعمة الصينية في المنطقة. إذ قد دفعت الصين بالوساطة بين طهران والرياض على أساس صلب ينهض على حتمية التعاون والتقارب وتغليب المصالح المشتركة، ومن دون ترهيب لأي من الطرفين.
ولا يمكن إنكار أن القوة الناعمة للصين لا تزال تواجه الكثير من التحديات، ومنها، اكتساب القوة الناعمة الأميركية ميزة تنافسية أعلى بدرجة من القوة الناعمة الصينية، وذلك من حيث جاذبية أنماط الثقافة الأميركية من أفلام وأحدث الأجهزة التكنولوجية والموسيقى وغيرها. فضلاً عن ذلك، ثمة بعض التخوفات ذات الأبعاد العقائدية من الثقافة الصينية الكونفوشيوسية.
وبالتالي، على الصين بذل الكثير من الجهد لتوسيع قوتها الناعمة في المنطقة وابتكار أساليب جديدة للترويج لها وزيادة البعثات التعليمية للصين.
لكن ذلك لا ينفي أيضاً، أن جاذبية الصين في تصاعد مطرد بفضل سياساتها السلمية والتعاونية والتنموية في المنطقة، لاسيما انصرافها التام عن تعزيز حضورها العسكري الذي شوه الجاذبية الأميركية. أو أنشأ المعضلة الشهيرة وهي حب أميركا كنمط حياة وكرهها الشديد بسبب سياستها الخارجية المتغطرسة.
وملخص القول، ساهمت القوة الناعمة الصينية في تعزيز حضور الصين في المنطقة، وحماية مصالحها، وتحسين صورتها لدى شعوب المنطقة، وهو ما سوف يؤهلها لتولي المنطقة في المستقبل وفقاً لقيادة ساعية للتنمية والتعاون وتقويض خلافات المنطقة.