بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- نذر تصعيد خطير تتجمع فوق المحيط الهادي وفي شبه الجزيرة الكورية بالذات، بذريعة الردع المتبادل بدلاً من البحث عن تسوية جذرية بين الكوريتين وإزالة التوتر في تلك المنطقة المرشحة للانفجار في أية لحظة.
كوريا الشمالية التي خلقت واقعاً جديداً بالفعل، وأصبحت دولة نووية منذ تسعينات القرن الماضي، وفقاً لبعض الخبراء، وتقوم بتطوير أسلحتها التقليدية والنووية وتجري التجارب عليها يوماً بعد يوم، وهي أيضاً مستعدة لاستخدامها في أي وقت، لم يعد مجدياً مواجهتها عن طريق مواصلة الضغط والحصار وتشكيل الأحلاف العسكرية الجديدة، بقدر ما تحتاج إلى حلول حقيقية لمشاكلها المتراكمة مع جارتها الجنوبية التي تعود إلى أوئل خمسينات القرن الماضي.
إضافة إلى ذلك، فإن اللجوء لسياسة الردع النووي التي تم تبنيها في “إعلان واشنطن” في أبريل الماضي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، أو ما سمي “المجموعة الاستشارية النووية” لردع بيونغ يانغ، وهو ما وصفته الأخيرة بأنه “ناتو آسيوي” جديد، لن يقابل إلا بتصعيد مماثل من جانب كوريا الشمالية. وما محاولات بيونغيانغ إطلاق قمر اصطناعي للتجسس، حتى وإن فشل في المرة الأولى، سوى جزء من إجراءات كوريا الشمالية رداً على ذلك الإعلان.
وتكمن الخطورة هنا في أن خلق بؤرة متفجرة في هذا الجزء من العالم وتركها قابلة للاشتعال في ظل الظروف الدولية السائدة ستكون له تداعيات خطرة على العالم أجمع، والأخطر من ذلك، أن الحالة في شبه الجزيرة الكورية مختلفة إلى حد كبير عما يحدث في أوكرانيا، حيث تكتفي واشنطن بالدعم وتقديم المساعدات العسكرية واللوجستية بينما أوروبا هي من تدفع الثمن، لكن هنا يبدو أن الولايات المتحدة نفسها لن تكون بمنأى عن الاستهداف المباشر من جانب كوريا الشمالية.
وما يجعل الأمر أكثر تعقيداً أن قيام تكتل عسكري جديد بين واشنطن وسيؤول وطوكيو، يقابله أيضاً تكتل آخر يضم بيونغيانغ والصين وروسيا ما يضع الجميع في مرمى أسلحة الرعب والدمار الشامل. هناك بالطبع محاولات للتهدئة، مثل الحديث عن تكتل دفاعي تقتصر مهامه على الردع، وإبداء رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا استعداده لإجراء مفاوضات مع بيونغ يانغ، لترتيب قمة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، لكن ذلك لا يبدو كافياً لنزع فتيل التوتر، خصوصاً مع إعلان وزيري دفاع اليابان ياسوكازو هامادا وأمريكا لويد أوستن عن اعتزام واشنطن وطوكيو مواصلة العمل على تعزيز قدرات الردع للبلدين، بما في ذلك بحث إمكانية تطوير أنظمة اعتراض الأسلحة فرط الصوتية.
وحتى لو تم التوصل إلى تهدئة، رغم صعوبة الأمر في الظروف الراهنة، فإنها ستكون مؤقتة، طالما أنه لم يتم التوصل إلى حل جذري لمشكلة الكوريتين، وهي لب الصراع في تلك المنطقة، وطالما أن هذه المشكلة تترابط وتتأثر ببؤر متفجرة أخرى في منطقة المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي، مثل تايوان وغيرها، وبالتالي فإن تركها دون حل يبقيها قنبلة موقوتة قد يؤدي انفجارها إلى وضع العالم على حافة الهاوية.